يتذكر محمد هادي ناصر العولقي وهو ضابط متقاعد في الجيش اليمني أيام عصيبة عاشها بعيد الحرب الأهلية في جنوب اليمن في العام 1986 ، وسط جبال قاحلة بمنطقة السوادية بمحافظة البيضاء شمال اليمن . حينها كان الآلاف من جنود الجيش الجنوبي قد نزحوا جراء حرب يناير إلى شمال اليمن ويومها وكما يتذكر "العولقي" مسئولا عن شئون تموين الجيش الجنوبي النازح حينها
بالقرب من بوابة معسكر للجيش اليمني بعدن يقف العولقي ويتذكر تلك الأيام ويهرش رأسه بقوة ويصلح من وضع غطاء شعبي يضعه هنا ويقول :" اييييييييه دنيا ياعبدربه قدك اليوم باتقع رئيس ويمضي العولقي في طريقه . كيف أصبح عبدربه رئيسا؟ في ال 21 من هذا الشهر تنتوي الحكومة اليمنية إجراء انتخابات رئاسية من المقرر لها ان تفضي إلى تنصيب عبدربه منصور هادي وهو قيادي عسكري بارز في الجيش لكي يكون رئيسا لليمن في ظل مرحلة سياسية يوصفها كثيرون بأنها الأشد تعقيدا في تاريخ اليمن وربما قد تكون هي الأخطر على الإطلاق وقد تدفع أعمال واسعة النطاق في حال اندلاعها إلى سقوط اليمن قاطبة في مستنقع الفوضى؟ منذ العام 1994 شغل منصور هادي منصب رئيس الجمهورية بعد ان تم تعيينه لأشهر في منصب وزير الدفاع اليمني خلال الحرب بين الشمال والجنوب وتمكن قوات شمالية من دخول مدينة عدن وطرد حكومة جنوبية منتخبة إلى المنفى الذي لاتزال فيه حتى اللحظة . ورغم ان "منصور" شغل منصب نائب رئيس الجمهورية قرابة ال 17 عاما إلا ان وجوده بحسب كثيرون ظل صوريا حيث لم يكن يشارك في صناعة القرار وظل وجوده فقط بهدف مايصفه ناشطون معارضون وجودا لإضفاء شرعية وجود قيادي جنوبي في الحكم . وظل منصور كذلك حتى العام 2011 حينما اندلعت احتجاجات شعبية مناهضة لنظام الرئيس اليمني صالح وتلى ذلك انشقاق عسكري في وحدات الجيش لتشهد البلد مزيدا من الاضطرابات السياسية والعسكرية. وأفضت مبادرة سياسية لاحقا إلى الاتفاق على تخلي الرئيس اليمني صالح عن صلاحياته لصالح نائبه منصور هادي على ان يتم إجراء انتخابات رئاسية في ال 21 من هذا الشهر ورغم ان هذه الانتخابات لاقت تأييد ومباركة من عدة أطراف دولية وإقليمية إلا ان مهمة منصور تبدو مستحيلة فبعد عام كامل من الاحتجاجات يقف منصور أمام وطن يعج بالإشكاليات الكثيرة .
جيش منقسم ومراكز قوى كثيرة هي الصعوبات التي سيواجهها منصور فور توليه منصب رئاسة الجمهورية وأول هذه الأشياء هو تنصيبه رئيس على جمهورية يحتشد فيها جيشان كل واحد منهم يدين بالولاء لقيادات عسكرية ليس منصور أحداها حيث تنقسم وحدات الجيش اليمني بين قيادات موالية للرئيس اليمني صالح وأخرى موالية للقيادي البارز في الجيش اليمني اللواء علي محسن الأحمر . في بلد كاليمن تصبح مهمة الرئيس عسيرة في حال عدم تمكنه من الإمساك بزمام قوى عسكرية وأمنية يمكن لها ان تغير خارطة التحالفات في البلد المشهور بالصراعات السياسية والقبلية لذلك فانه وبالمقارنة البسيطة يتضح ان منصور هادي لايملك أيا من القدرات العسكرية التي يملكها ابسط قيادي عسكري في الجيش اليمني ، كل ما يملكه منصور هو عدة أطقم عسكرية وقوة حراسة شخصية به لاتتجاوز ال 100 مجند. انقسام القوة العسكرية وتوزعها على أطراف أخرى مارست تجاهلا متعمدا لمنصور تجعله قوة سياسية ضعيفة في مواجهة الأطراف الأخرى وهو مايعني ان تحركات منصور ستظل قاصرة على نطاق ضئيل في الخارطة السياسية اليمنية. تحديات اقتصادية وأمنية سيواجه الرئيس منصور خلال المرحلة المقبلة جملة من التحديات الهامة أبرزها ستكون هي التحديات الأمنية فبعد عام من الاحتجاج تقف أجهزة الأمن اليمنية أمام حالة انفلات أمنية تصاعدت خلال الأشهر الماضية وبشدة وأصبحت مثار القلق الأكبر بالنسبة لدول المحيط التي باتت تخشى من ان تقود الفوضى الأمنية اليمن صوب ان يكون دولة فاشلة على غرار الصومال ودول أخرى وهو مايعني تزايد المخاطر التي تعاني منها دول الخليج. سيتوجب على منصور خلال الفترة المقبلة إعادة الاستقرار إلى الكثير من عواصم المدن اليمنية والتي باتت مرتعا للفوضى والاقتتال الأهلي وإطلاق النار وامتداد أعمال العنف إلى مناحي كثيرة من حياة الناس . وبالإضافة إلى ذلك يقف التحدي الاقتصادي احد ابرز التحديات التي تواجه الرئيس منصور مستقبلا حيث يرص منصور خزينة حكومية خالية الوفاض بالإضافة إلى تعثر عمليات إنتاج النفط التي أصيب بالشلل جراء الاضطرابات السياسية التي شهدتها اليمن طوال عام كامل لذلك فان ابرز التحديات هي إعادة الوضع الاقتصادي إلى ماكان عليه قبل عام من اندلاع الاحتجاجات واستئناف تصدير النفط. مشاكل عالقة (( القضية الجنوبية أولها )) خلال العام الماضي تمكنت القضية الجنوبية من نيل اعتراف نخب الشمال والكيانات السياسية بها وهو مايعني ان ابرز القضايا التي ستكون مطروحة على طاولة منصور خلال المرحلة المقبلة هي البحث عن حلول سياسية ترضي حركة احتجاجات شعبية شهدتها مدن الجنوب طوال خمس سنوات ماضية.
وقد لاتبدو الطريق التي سيسلكها منصور لأجل وضع حل للقضية الجنوبية مفروشة بالورود حيث ترفض حركة احتجاجات شعبية تجد تأييد من الأغلبية العظمى من الشعب في الجنوب أي حلول غير منصفة لقضية الجنوب وينقسم الجنوبيون في هذا الشأن بين غالبية عظمى تطالب باستقلال الجنوب وأخرى ضئيلة تطالب بانتهاج نظام حكم فيدرالي بين شمال اليمن وجنوبه . وبالنظر إلى تحالفات منصور السياسية سنجد ان الرجل لايمكن له ان يقدم أيا من الحلول للجنوبيين كون ان كلا الحلين يواجهان حالة من الرفض الشديدة من قبل النخب السياسية في الشمال وقطاع واسع من الأحزاب السياسية في شمال اليمن . وفي مواجهة ذلك فان عدم تمكن الرئيس منصور من تلبية رغبات الجنوبيين في إيجاد حل لقضيتهم يعني ازدياد مظاهر وأعمال التوتر في الجنوب والتي قد تكون أهم المشاكل التي يواجها خلال المرحلة المقبلة. القاعدة الخطر القادم من بين الإشكاليات والمشاكل التي ستواجه نظام الرئيس منصور خلال المرحلة المقبلة هو تزايد الخطر الذي تشكله الجماعات المسلحة التي تدعي انتمائها لتنظيم القاعدة في عدد من المحافظات اليمنية وسيكون لزاما على منصور إنهاء حالة الصراع التي تعيشها محافظة أبين التي ينتسب إليها منصور ذاته.
ومما لاشك فيه ان ملف القاعدة والجماعات المسلحة سيكون احد أهم الملفات التي سيوليها منصور اهتمامه خلال الفترة المقبلة خصوصا مع تزايد المخاوف لدى دول الجوار وتحديدا السعودية والمجتمع الدولي ومن بينها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أكدت أكثر من مرة على ان ملف محاربة الإرهاب في اليمن يجب ان يكون من أولى الملفات التي تواجه نظام الرئيس منصور خلال الفترة المقبلة.
عبدربه منصور هادي.. جنوبي يحكم الشمال ماجد الشعيبي: تحول عبدربه منصور هادي من "عبدربه مركوز فاضي" كما كان يحب الجميع تسميته في صنعاء إلى رئيس حكومة الوفاق الوطني ومرشحها الوحيد ورجل المرحلة فجأة وبإجماع كل القوى المعارضة للرئيس صالح لتتحول كل الكتابات التي كانت تنهال على نائب الرئيس إلى عكس ذلك تماماً وفجأة أيضاً. يؤمل الشارع الشمالي خيراً ويبالغ في ذلك أن الرئيس سيكون مدنياً وجنوبياً أيضاً، وهذا أمر يعده الجميع عاملاً أولاً في انتزاع الحكم من بيت "سنحان" وهذا شيء قد لا يصدقه العقل البسيط وقد يدفع قيمة هذا التغيير الكثير مقابل هذه النقلة النوعية في سدة الحكم في اليمن من رئيس يمني قبيلي عسكري يحكم بعقلية قبلية بحتة إلى رئيس جنوبي مدني، أكثر مرونة وتقبل للآخر.. رئيس أقل ما يمكن القول عنه - وما تراهن عليه قوى التغيير - هو عدم وجود قبيلة قوية يحتمي بها أو تحتمي به، وهذا يعد بداية تحول كبيرة في تاريخ الحكم في اليمن، وبداية أيضاً لسحب الحكم من صنعاء بطريقة سلسة مع بقائها الرمزي وعامل خطر بنفس الوقت. لم يكن هادي في يوم من الأيام رجل ذو نفوذ أو صاحب مكانة كبيرة في الحكم باليمن؛ بل كان الرجل الذي لم يعرف له الشارع معنى سوى في ظهوره خلف صالح حتى مغادرة الأخير اليمن إلى أرضً غير مستقرة، ولهذا انهالت عليه الأقلام بكثرة مع حدوث عجلة التغيير في اليمن ووصفه الكثير بالرجل الهادي جداً كاسمه، وتغير كل شيء بعد فترة من الصراع على الرجل الذي سيخلف صالح في الحكم. ساحات التغيير وما بات يعرف بساحات الثورة ينظر شقها المستقل والشباب إلى هادي أنه عقلية عسكرية لا يمكنهم القبول به كرئيس لليمن؛ وذلك لتضحياتهم الكبيرة من أجل دولة مدنية ورئيس مدني، ويستعدون لإحراق بطائقهم الانتخابية في 21 من فبراير؛ تعبيراً عن رفضهم ترشيحه، في الوقت الذي تسللت صور هادي إلى الساحات وتزداد يوماً بعد آخر، كما وتزداد دعوات انتخابه كرئيس للجمهورية، وتفاخر تلك الحملات بأن الرئيس اليمني القادم هو رئيس "جنوبي" وهذا التضخيم غرضه واضح وهو نيل رضى الشارعين الشمالي والجنوبي وإرضاء للقضية الجنوبية التي لم يكن هادي يمثلها في يوماً من الأيام - حد وصف الكثير من الجنوبيين. تعمل الأحزاب اليسارية بشكل أكبر من التيار اليميني تهيئة لوصول هادي إلى كرسي الحكم ولكلاً في ذلك غرض فاليسار كما أسلفنا سابقاً يعد ان يكون الرئيس جنوبي أمراً يستحق التضحية ومن جانبهم تعمل القوى اليمنية بزعامة حزب الإصلاح للسير تجاه تنفيذ المبادرة الخليجية وللأجندة الدولية التي تقدم الدعم السخي لليمن ويهمها نجاح الانتخابات لا أكثر حتى وأن ظهر أن الحزب يعمل بكل طاقاته لتحقيق الهدف المنشود وهو الرئيس عبدربه منصور هادي وذلك لمعرفتهم المسبقة أن هادي في كل الحالات سيصل إلى الكرسي بجهد أو بغير جهد ولكن ما تراهن عليه أحزاب اليسار ممثلة بالحزب الاشتراكي وباقي الأحزاب هو حصول هادي على أصوات الملايين كي يتعدى الرقم الذي حصده صالح في الانتخابات السابقة، رسالة تريد قوى المشترك إيصالها وهي " أن الشعب اليمني لم يعد يرغب بصالح رئيساً " وأن رحيله عن الحكم كان مفروضاً ولهذا الغرض تحشد الجهود في صنعاء وغيرها للوصول إلى ذلك الغرض بطرق مشروعة وأخرى غير مشروعة إذا كلف الأمر ذلك. يطالب شباب الثورة هادي بالاعتراف بثورتهم وخلع بزته العسكرية وذلك تقديراً لتضحياتهم وللشهداء الذين قدموهم مقابل أن يكون هادي رئيساً، ولا يأتي هذا الطلب البسيط كفرض على هادي ولكنه يأتي لكون الأمر الواقع يفرض ذلك وأن مقاطعة الشباب للانتخابات لن تفييدهم ولن تسمن الشهداء عن خياراً أخر، ولهذا يتعمد شباب الساحات إرسال رسائل محدودة لرئيسهم الجديد أملين منه تنفيذها مع العلم أن الساحات هناك تخضع لسيطرة تامة لأحزاب اللقاء المشترك ولهذا تجد المعارضين لهادي قلة قلية مبررها الوحيد لمعارضتهم رحل صنم الأمس وسترحل باقي الأصنام غداً وأنا لناظر غداً لقريب. لن يكون من السهل القول عبدربه منصور هادي الجنوبي الذي يحكم الشمال ولذلك تسعى أغلب القوى المنظمة للتغير لأجل تحقيق ذلك بينما الأخرى تسعى لإفشال ذلك بكل الوسائل أصغرها مقاطعة الانتخابات وهذا ما جعل موقف القبيلة غامضاً نوعاً ما، ويبين المشهد أن هناك انقسام واضح وغير مسبوق بعد ان كانت القبيلة هي سلاح صالح الفتاك الذي يدمر فيه كل من يقف أمامه أو حجر عثرة لأهداف الاثنين، وهنا يقع المرشح التوافقي بين معارضة وتأييد قبلي متواضع قد ترجحه القبائل المنضوية تحت سيطرة الشيخ صادق الأحمر الشيخ الأكبر لقبائل حاشد وبكيل اليمنية. من جهته تؤكد جماعة الحوثي رفضها للانتخابات غير العادلة بالسبة لها ويرجع سبب معارضتها إلى تجاهل حكومة الوفاق الوطني هذه الجماعة التي ظهرت مؤخراً بعد ستة حروب خاضتها مع الحكومة اليمنية وتعد أمر واقع في الساحة اليمنية بل ومكون من مكونات الثورة المتواجدة في الساحات وبشكل لا يستهان به، مما جعل الكثير من قوى المشترك وبذات حزب التجمع اليمني للإصلاح تنظر بريب كبير تجاه أهدافه الغير معلنه إضافة إلى الصراع الطائفي المستمر بين الاثنين، بالإضافة إلى العداوة التي يحملها المشروعين السعودي الأمريكي في اليمن. زينت شوارع صنعاء بصور هادي وتبدوا مستعدة للانتخاب تحت شعار نعم للأمن والاستقرار نعم لعبدربه منصور هادي صيغة تعبيريه تعود عليها الشارع اليمني كثيراً ويحتاجها الآن أكثر ولأجلها لن يكون هناك خياراً مقنع سيجعله يرفض هذه الانتخابات التي طال انتظارها بعد أكثر من سنة ذاق ويلاتها وخرابها وحربها ودفع أيضاً ضريبة هذا التغيير وسيضل الشارع اليمني يدفعه إذا لم تمر الانتخابات مرور الكرام. * عن صحيفة عدن الغد الورقية