كنا وما زلنا ندين ونرفض التفجيرات التكفيرية التي تطال المدنيين والعسكريين لوحشية هذا الأسلوب من القتل وهمجية منفذيه ومن يقره أو يموله تحت أي ذريعة كانت دينية ثورية مذهبية، بل حتى التفجيرات الانتحارية التي كانت تطال المدنيين الإسرائيليين ظللنا نرفضها وندينها رغم غضب واستغراب بعض السذج والمتشددين.
مذبحة مجمع وزارة الدفاع صباح الخميس بغض النظر عن هوية ضحاياها ليست فقط جريمة بشعة تدمى لها القلوب لان مسرح أحداثها كان مستشفى العرضي العسكري في مجمع الدفاع وأزهقت أرواح عشرات الأطباء والفنيين الصحيين والمرضى والمدنيين والعسكريين، بقدر ما هي فضيحة ووصمة عار على جبين قيادة المؤسسة العسكرية. هذه المذبحة بغض النظر عن هوية منفذيها ومن يقف ورائها سواء كانوا من جماعة القاعدة الإرهابية أم من قوى النفوذ المتصارعة في البلد، فأنها فضحت خفايا كثيرة. فالجناة وصلوا إلى عقر دار أهم واكبر مؤسسة دفاعية هجومية مجمع العرض بما فيه وزارة الدفاع ودوائرها وشعبها.
وهي مؤسسة أولى مهامها حماية شعب ووطن بكله، فكيف عجزت عن حماية نفسها! إذ أن من يعجز عن حماية بيته كيف يستطيع حماية الآخرين المكلف بحمايتهم!! لقد استطاع المعتدون اختراق منطقة بل مناطق محصنة أمنيا قبل أن يصلوا إلى هدفهم، ونفذوا عمليتهم المسلحة وفق خطتهم المرسومة، فجروا، اقتحموا، قتلوا، سيطروا، تحصنوا، قاتلوا، وأين كل هذه المذابح والدمار؟ انه في مجمع وزارة دفاع، محصن ويشغله كبار القادة العسكريين، فكيف سيكون الحال لو كانت العملية في وزارة خدمية عادية لا يوجد بها ضابط واحد! حتما سيسرح ويمرح القتلة بكل راحة بال ويقتلون ما شاء لهم القتل. كما كشفت هذه المذبحة الوحشية بأن الجيش ومثله الأمن في هذا البلد بدائي متخلف بل وأكثر جيوش الدنيا تخلفا ولن يستطيع وزيره محمد ناصر ان يلوي عنق الحقيقة مهما كذب وغالط وبرر وساق الأعذار الساذجة.
إن هذه الجريمة الشنعاء وما سبقها وما سيلحقها من جرائم الاغتيالات والتفجيرات لم تخل من روائح عفونة لصراع قذر بين قوى الصراع في اليمن ،وان الإرهاب يستمد قوته من هذه الصراعات وتصفية الحسابات القديمة الجديدة داخل تيارات وأجنحة دولة القبيلة.
مشاهد هذه المجزرة البشعة تعود بالمتابع إلى يوم 21مارس2011م حينما وقف الجنرال علي محسن الأحمر قائد فرقة الدبابة يومذاك مستشار الأمن والدفاع لرئيس الجمهورية حاليا يستعرض ببزته العسكرية المرصعة بالرتب العالية والنياشين، محاطا بثلة من ضباطه ومواليه أمام من أسموهم شباب الثورة ليعلن تعهده بحمايتهم (سنقدم أراوحنا رخيصة لحماية مكتسبات الوطن وحمايتكم) فاين ذهب وعد الحماية لمكتسبات الوطن وأبنائه الذي قطعه الجنرال؟.
يدرك المراقب اليوم إن ما تردت فيه المؤسسة العسكرية (جيشا وأمنا) من ضعف، وما يتعرض له أفرادها وضباطها من اغتيالات وتصفيات ليس إلا نتاجا طبيعيا لبنائها على أسس لا صلة لها بالمهنية والحرفية العسكرية. مما قاد إلى تدميرها مهنيا وانهيارها معنويا، مما افقدها العقيدة القتالية والانضباط العسكري، واضعف ولائها للوطن والشعب ومصالحه، حتى غدت عاجزة عن حماية نفسها قبل أن تحمي الآخرين.
إن السؤال الذي يفرض نفسه ماذا أبقى نظام الفساد والإفساد للمؤسسة العسكرية؟ وهل ما زال لهذه المؤسسة عقيدة ومعنوية قتالية وانضباطا عسكريا مثل بقية جيوش العالم؟ هكذا أسئلة تخفى إجاباتها على المواطن وهو يرى سيارات وأسلحة المؤسسة العسكرية وقد نهبها بعض ضباطها وفروا بها إلى بيوتهم، أو أهداها نافذو السلطة هبات لكسب ود ومراضاة قطاع الطرق. لا تخفى وهو يرى سيارات ومركبات هذه المؤسسة تجول ببيع الماء، أو محملة بخلايا النحل بلوحات عسكرية ،وقلة فقط من الناهبين استحوا فاشتروا أو زوروا لها لوحات مدنية. سيصاب المواطن بخيبة أمل وهو يرى جنودا وضباطا من مختلف الرتب صاروا باعة في مفارش القات، آو باعة متجولين، أو نحالة بعد أن تركوا وحداتهم العسكرية بتشجيع من قادتهم بمقابل الاستفادة من مخصص غذائهم وربع رواتبهم على حساب رفاقهم الشرفاء الذين يرابطون في وحداتهم، وهم الذين اصبحوا طعما لهجمات الإرهابيين والقتلة.
ماذا أبقى نظام الفساد والإفساد في هذا الظرف المرعب الذي يعيشه الوطن للمؤسسة العسكرية والجميع يشاهد غالبية ضباطها وجنودها يخوضون بطولات السمسرة، وجولات تزعم عصابات التهريب والتقطع والسلب، ومنهم من غدا شيخا يتسلم أكثر من راتب من قوى النفوذ المتصارعة، أو توظف في أكثر من وظيفة. ماذا أبقى نظام الفساد والإفساد للمؤسسة العسكرية اليوم غير ثقافة الكذب وروث الخطب ، واستعراضات الدفع المتخرجة في ميدان السبعين، ليلتحقوا بشوارع المقواتة والمنوابة والسمسرة وتهريب المنوعات، والأغذية والأدوية الفاسدة والقاتلة؟ ما جدوى إهدار لقمة الجياع وحقنة دوائهم لشراء آليات وأسلحة سرعان ما تصبح في ظل الفساد فيدا للمسئولين عليها وقطاع الطرق، أو عطايا للنافذين وفتوات العصابات، لتصير سيارات الجيش والأمن أجرة لبيع الماء والقات ورحالة النوب والتهريب.
غير هذا الفساد من عبث بالمؤسسة العسكرية والأمنية، وأوصلها إلى هذا الضعف والانهيار إلى حد أمست عاجزة عن حماية نفسها من هجمات الإرهابيين والقتلة، فكيف بحماية وطن وشعب ومكتسباته؟ من أضعف معنوياتها القتالية ويقظتها وولائها للوطن والشعب وأخلاقيات وقيم المهنية واستبدلها بالولاء للقبيلة والشيخ أو الحزب والمذهب، ورسخ في نفوس سوادها الأعظم سلوك النهب والجباية؟ ماذا يبقى من احتراف المؤسسة العسكرية حينما يسطو قائد اللواء أو الكتيبة أو مدير امن المديرية لقمة وحقوق جنوده وربع مرتباتهم مقابل تفريغهم من وحدات عملهم إلى الشارع؟ وحينما يمنح نظام الفساد والإفساد الرتب العسكرية لمدنيين ومشائخ وزعماء فتوات التهريب والتقطع؟.
وهل يبقى من مهنية المؤسسة الدفاعية والأمنية شيء بعد أن فرض النافذون من يفتقرون إلى ابسط الكفاءات في مفاصل قيادتها، حتى تحولت إلى جندرمة ومليشيات خاصة بمراكز النفوذ والأجنحة المتصارعة؟ ماذا لو حافظ قادة هذه المؤسسة على احترافها ومهنيتها وانضباطها ويقظتها،هل كان سيغدو أجساد منتسبيها فرائس سهلة لهجمات الإرهابيين والمتطرفين وعصابات القتل وقطاع الطرق الذين لم يلدهم سوى رحم النظام ذاته وتمولهم عصاباته المتصارعة،إن ما جرى في مجمع العرض الذي أودى بنحو 60 شهيدا و167جريحا،وما سبقه من إزهاق لأرواح الضباط والجنود لن يكون الأخير ما ظل حال هذه المؤسسة الدفاعية والأمنية على هكذا حال .