د/محمد موسى الشريف إن معركة العاشر من رمضان فارق بين زمنين، وبرزخ بين عهدين، ومنعطف بين طريقين: زمن الذل وزمن العزة، عهد الضياع وعهد العثور على الهُوية، طريق الاعتماد على الطاغوت وطريق التوكل على الله تعالى. ثم إن معركة العاشر من رمضان يبدأ بها تأريخ حدث خطير جداً ومهم جداً في تاريخنا المعاصر ألا وهو ظهور الصحوة الإسلامية واشتداد عودها، ولهذا حديث جليل آخر لا متسع له هاهنا. إن الذي يدعوني لذكر معركة العاشر من رمضان عدة أمور منها غير ما سبق آنفاً : 1.أهمية المعركة في سياق أحداث العصر، بل أرى -والله تعالى أعلم- أنها أهم معركة وقعت بيننا وبين اليهود في التاريخ الحديث من حيث وقائعها، ومن حيث توقيتها، ومن حيث نتائجها، وستبقى المعركة -إن شاء الله تعالى- خالدة في ذاكرة الأمة ملهمة إياها لبلوغ النصر التام في معركتنا مع إخوان القردة. 2.هذه المعركة لا يكاد يعلم عنها شباب الأمة في هذا الوقت إلا النزر اليسير بل إن كثيراً منهم لم يسمع بها قط!! خاصة ممن لم يدرك المعركة وولد بعدها بزمن قصير أو طويل، وهذا عرفته أثناء حديثي عن هذه المعركة في المنتديات والمجامع والمدارس والجامعات، فهذه المعركة ساقطة من ذاكرة الكثيرين، وهذا أعدّه من الخلل المنهجي والثقافي في واقعنا المعاصر، ولابد من علاجه؛ لأن المعركة -وقائع ونتائج- تُعد من أهم ما يمكن الاستفادة منه في العصر الحديث من الوقائع الحربية بيننا وبين اليهود، وهي مليئة بالعبر والعظات. 3.كثير من شبابنا اليوم تعتريه حالات يأس وقنوط من إمكان النصر على الأعداء، فأردت أن أبين لهم أننا قادرون على إحداث التغيير في أي وقت -بعون الله تعالى ومشيئته- والدليل على ذلك ما جرى في حرب رمضان، ولذلك سأسوق لهم من أحداث المعركة -إن شاء الله تعالى- ما يعظم به أملهم وتشتد به عزيمتهم، وينفي عنهم التشاؤم والوهن. 4.هذه المعركة ينظر إليها بعض مفكرينا ومثقفينا نظر الارتياب والشك، وأنها حرب تحريك وليست حرب تحرير، ويريدون بالتحريك ما جرى بعدها من مفاوضات السلام المشؤومة مع اليهود، بل يذهب بعض المفكرين والمثقفين أننا هُزمنا في العاشر من رمضان!! وهذا غلو في التفكير والنظر أحببت أن أنفيه في هذه السطور، هذا وليُعلم أني لا أريد الحديث عما جرى بعد المعركة بسنوات من الصلح مع أعداء الله فلهذا حديث آخر ليس هذا مجاله وإن كان متعلقاً نوع تعلق بهذه المعركة الجليلة. 5.والسبب الأهم الذي دعاني للحديث عن تلك المعركة هو أن معركتنا مع اليهود لا زالت قائمة على قدم وساق، وأنها لم تتوقف أبداً بنهاية تلك المعركة وأنها لن تتوقف إلا بالحادث العظيم الذي تنبأ به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم "لتقاتلن اليهود حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبدالله ورائي يهودي تعال فاقتله"، وهناك شبه اتفاق بين كثير من المفكرين والمحللين المدنيين والعسكريين على أن هناك معركة قريبة بيننا وبين اليهود تلوح نذرها في الأفق فكان من المهم أن نبقي في ذاكرة المسلمين أحداث نصر رمضان سنة 1393/ أكتوبر 1973 حتى تصبح ملهمة لهم ومبشرة في معركتنا القادمة، وليعلموا أن الله -تعالى- إذا أراد أمراً هيأ أسبابه، وإذا قدر شيئاً أمضاه مهما استبعده البشر، وحكموا بصعوبة حدوثه، فقد كانت كل القوى العسكرية العالمية والعربية تحكم بعدم قدرة العرب والمسلمين على هزيمة اليهود في معركة عسكرية أبداًَ فإذا بهم يفاجأون بمعركة رمضان التي قلبت كل الموازين. ونحن اليوم نعيش فرحة كبيرة بالتغيير الذي جرى ويجري في بعض البلاد العربية، وهو مقدمة لتغيير أكبر وأعظم نخلص به ومنه إلى انتصار على اليهود والصلاة في بيت المقدس إن شاء الله تعالى. العرب والمسلمون قبل المعركة: الناحية العسكرية: كان هنالك شعور سائد بأن جيش الصهاينة لا يُقهر، وأننا لن نستطيع أن نهزمهم في معركة أبداً، وقد كان هذا نتيجة حرب 1387/1967 المشؤومة التي سماها الإعلام الناصري الخبيث نكسة تخفيفاً لوقعها وتقليلاً من نتائجها، وقد كانت من أشد نكبات الدهر وقائع ونتائج، لكنها كانت ممهدة لزوال السيطرة العسكرية والثقافية للقوى الناصرية والماركسية والقومية والعروبية للأبد ولله الحمد، ولهذا حديث آخر إن شاء الله تعالى. قال اللواء أركان حرب جمال الدين محفوظ فيما نقلته عنه مجلة الأزهر في عددها التاسع من سنتها الثانية والستين في رمضان سنة 1410/ ابريل 1990: "لقد كانت الروح المعنوية في حالة تدهور شديد لما أحدثته الهزيمة من ضغوط نفسية هائلة على القوات المسلحة والشعب معاً، فقد انتابت الجميعَ صورٌ شتى من الضغط النفسي الذي نشأ في داخلهم وفيما بينهم كالشعور بالإحباط والحزن ولوم النفس والغير، وتبادل الاتهامات، إلى غير ذلك من أساليب التدمير الذاتي التي كانت أخطر عقبة في سبيل إعادة البناء حتى لقد قدر أكثر المتفائلين أننا لن نفيق من تلك الحالة قبل عشر سنوات إن لم يكن أكثر". ثم قال اللواء: "وبالإضافة إلى هذه الضغوط النابعة من الداخل كانت هناك الضغوط الخارجية المتمثلة في حملات الدعاية والحرب النفسية الضاربة التي تستهدف توجيه ضربة قاضية إلى روح المقاومة والصمود وإرادة القتال من خلال ما يلي: 1.تعميق الشعور بالإحباط وفقد الثقة بالنفس والسلاح والقادة والقيادة. 2.إحداث الفُرقة بين الشعب وقواته المسلحة. 3.غرس الإحساس بالتدني والعجز وتنمية عقدة النقص في مواجهة التفوق التقني "التكنولوجي" للعدو ومصادر إمداده بالسلاح والمعدات. 4.ترسيخ الاعتقاد بأننا نواجه عدواً لا يُقهر، وأذكر أن جنودنا فتحوا عيونهم ذات صباح على لوحات قد غرست على الضفة الشرقية لقناة السويس تقول: "إذا كنت تسأل عن أسباب الهزيمة فاتصل برقم 675648 والرقم يبدو لأول وهلة كرقم هاتف لكن سرعان ما يتضح أنه يتألف من سنوات المعارك 48-56-67 أي أنه يقول للمقاتل المصري -وهو في أشد حالات المعاناة النفسية- لماذا تسأل عن أسباب الهزيمة هذه المرة وأنت دائماً مهزوم؟ إن تاريخك كله هزائم؛ فقد هُزمت من قبل في 48 وفي 56 فلماذا تسأل عن سبب هزيمتك في 67؟ إنك أنت رجل الهزائم!! لقد كان ذلك مثالاً لحملات الحرب النفسية الضاربة لتغذية أحاسيس التدمير الذاتي للإجهاز التام على إرادة القتال" ثم قال اللواء: "ثم كانت هناك التحصينات والعوائق والموانع التي أقيمت على الضفة الشرقية للقناة وعلى رأسها الساتر الترابي وخط بارليف وقاذفات اللهب، الأمر الذي جعل أكثر الخبراء تفاؤلاً يُقدرون أن العبور واقتحام تلك الموانع سوف يكلفنا عشرات الألوف من الخسائر في الأرواح فلابد أن يكون لذلك أثره على الروح المعنوية لمن يستعدون للمعركة المقبلة" اه. وقد كان هناك شعور عام طاغ على اليهود بعد حرب النكبة بالتفوق على سائر العرب، وأنهم هم القوة التي لا تُقهر، وللدلالة على ذلك أسوق قولاً للهالك موشي ديان، وزير الدفاع في الدولة المسخ والكيان الغاصب، قاله بعد النكبة بخمسة أيام في صحيفة هآرتس اليهودية في 12 حزيران/ يونيو سنة 1967/ 1387: "إنها الحرب التي أنهت كل الحروب، ولم يبق أمام العرب إلا التماس المقابلة لتقديم فروض الطاعة سيما وهم يعرفون رقم الهاتف!!". وقال الرئيس المصري السادات يوضح مدى عِظَم القدرات اليهودية: "لقد كان عبور القناة واجتياح حصون خط بارليف يعتبر ضرباً من المستحيل، وقد زارنا عدد من القادة وقال لنا بعضهم إن هذا المانع وتلك الحصون تحتاج إلى قنبلة ذرية للتغلب عليها". الناحية الدينية والاجتماعية : وفي المقابل لهذا كله تجد أن الإسلام وأهله -منذ النكبة بل قبلها، إلى ما قبل معركة رمضان- في زاوية قصية، ودعاة الإسلام في السجون، والمسيطر على أكثر البلاد العربية والإسلامية الفكر الشيوعي والاشتراكي والماركسي واليساري، وأن الإسلام الكفيل بإنقاذ الشعوب وتحقيق النصر مُغيب عن الأمة، وأن دعاة الإسلام القادرين -بإذن الله- على قيادة الشعوب العربية والإسلامية إلى النصر أكثرهم قد أودع السجون أو منع من الاتصال بالجمهور بصورة أو بأخرى. وأما المجتمعات الإسلامية فأكثرها يفشو فيه المنكرات من ربا وزنا وخمور وسائر الموبقات، وقليل من الناس من يصلي أو يصوم، والمساجد تكاد تكون مهجورة، والتدين في الشباب قليل أو نادر، وشريعة الله -تعالى- مغيبة عن الحكم وفصل الخطاب. وإنما أردت بهذا البيان لواقع المسلمين قبل معركة رمضان أن أقول إننا لم نكن أهلاً للنصر الذي جرى في رمضان لكن الله – تعالى - أراد أن يُحدث التغيير الكبير الذي قارن المعركة وما بعدها، وأن يمضي قدره في إعزاز هذه الأمة ورفع شأنها وتفضيلها على العالمين، فكان لابد من حدوث التغيير.