(غربان يا نظيرة) عنوان مسرحية يمنية عرضت في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي في عدن، ولاسمها دلالة خاصة ومعنى تاريخي مميز في محافظة عدن، عدن.. هذه المدينة الساحلية الآمنة، شبه الجزيرة بتضاريسها وموقعها، الوادعة بأهلها وساكنيها منذ مئات السنين، قبلة التجارة والعمل والميناء والفرضة التاريخية، وقد كانت من المدن العربية التي سكنها العرب والهنود واليهود والأفارقة من مختلف الأجناس، فتميزت بثقافتها المدنية المتطبعة بتنوعها، والتي يأتي منها صفة المدنية فيها بالهدوء والسكينة في العيش. أما عن (الغربان ونظيرة) في المسرحية فهي تحكي بأن نظيرة كانت تفزع من صوت الرصاص ولعلعته وتنتبه لذلك وتسأل زوجها عما يحدث في عدن من قلق وفزع وترويع لها ولجيرانها وأسرتها، فيرد عليها الزوج ب:(غربان يا نظيرة) وذلك إشارة بأن الحملة الوطنية لمكافحة الغراب ما زالت مستمرة وهي حملة قامت بها الجهات الأمنية في عدن في ثمانينيات للتخلص من كثرة وجود الطيور السوداء المزعجة (الغراب) وما تقوم به من إزعاج للسكان في منازلهم، وخاصة بعد حادثة زيارة أحد الرؤساء الأجانب للنصب التذكاري القديم، في التواهي، وتعرض الوفد المرافق له حينها لعملية قصف جوي من أعلى الأشجار- بسلح متكرر من الغربان- لذلك قامت السلطة بأجهزتها الأمنية بحملة قنص وقتل لطيور الغراب في عدن ومكافحة وجودها المتزايد، واستمرت الحملة وسماع أصوات الرصاص شهورا عدة، وكل من يسمعها يقول :(يقتلوا الغربان)، حتى أحداث 13 يناير 1986م عندما قامت نظيرة تسأل زوجها (كما جاء في المسرحية) عن أصوات الرصاص والقذائف التي زادت في ذلكم اليوم، فرد عليها كعادته (غربان يا نظيرة) حتى غدت هذه المسرحية بعنوانها المليودرامي، عنوانا تراجيديا تاريخيا لأحداث يناير المؤلمة..! وها نحن اليوم لم نسلم من سؤال نظيرة المتكرر، ولكننا لا نستطيع أن نكذب عليها ونقول غربان يا نظيرة، وهي تسمع دوي الانفجارات المفتعلة في عدن، وبالذات في المدينة الجميلة والهادئة (مدينة التواهي) مدينة الميناء والسواحل الهادئة والأنفاق الحديثة والوادعة، هذه التفجيرات والعمليات المتكررة لأعمال إرهابية عنيفة لا يراد منها إلا أن تقلق السكينة والأمن والأمان في عدن، حيث ما زال هناك من يحسد عدن على ما هي فيه، ويتوهم ويتخيل بأنها كما كانت عاصمة وفيها قيادات عسكرية وأمنية محاربة، وأنها مدينة قرار سياسي وحربي كان وما زال له دوره في أحداث كثيرة مؤسفة كالتي تحدث في المحافظة المجاورة لها (أبين) ويجب أن تنال حظها من زوبعة القتل والحرب والفتنة وممارسة فرض القوة عليها من كل الأطراف، حتي لا يهدأ فيها كائن من كان..! فإذا بالغراب ربما هو نفسه طائر الخراب، وهذه التسمية الأخرى مستوحاة من رواية البروفسور الفيزيائي والكاتب اليمني/ حبيب عبدالرب سروري، وهو طائر يقال بأنه استقدم إلى عدن مع أحد التجار الهنود قبل مئات السنين وسكن وتوالد فيها بلونه الأسود المعهود، ومنقاره الجارح.. وذكائه اللافت للانتباه، مما جعله أكثر الطيور اليمنية – الحديثة – حكمة في البقاء في كل الظروف ويتكيف فيها ويقتات من كل شيء يراه حيا أو ميتا، ويستطيع أن يسكن الأعالي من الجبال والأشجار وسقوف المنازل ويبني لنفسه (الأعشاش) حتى وسط الأسلاك الكهربائية في أعمدة الكهرباء، وربما يكون أحيانا هو من يسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي.. بل إنه يتجرأ دائما على صحون الدش للقنوات الفضائية ويهزها ليحجب عنا القنوات الإخبارية كالجزيرة والعربية..! من أجل ذلك كتبنا على أبناء هذه المدينة التاريخية (عدن) أن يسكن فيها (الغراب) وربما لا يستطيع بعد اليوم أن يغدو طائر خراب، فإذا ما سمعنا أصوات الرصاص والتفجيرات وتكرر العمليات الإرهابية والانتحارية في هذه المدينة، فنعلم كما علمت الأستاذ نظيرة بعد حين بأنها ليست غربانا، كما كان يدعو زوجها المرحوم – الله يرحمه – ولكنها أعمال انتقامية وارهابية من طيور خراب أخرى..! سيعرف لونها كل الناس في يوم ما، وسيعرفون ماهيتها!!، وماذا تريد أن تخرب أكثر في هذه المدينة الوادعة، بما تبقى لها ولأهلها من وداعة العيش البسيط، والفقير والهادئ حتى في أحلك ألوانه الصعبة، وهي كثيرا ما تنام اليوم على انطفاءات ليلها، وتعطل بعض شوارعها من الحركة، وقول أهلها: الله يستر علينا من الواجي (القادم) ويستر عليك يا عدن من طيور الخراب، أما الغربان فهي من أهل البلد وساكنيه وتعودنا عليها..