تتزايد المخاوف تجاه جماعات الإسلام السياسي لا سيما في مصر وتونس وذلك بعد وصولهما إلى الحكم عبر ثورة شعبية مدنية لا مثيل لها وعملية ديمقراطية نزيهة وشفافة، ولم تكن آخر المخاوف تلك التي أطلقها مؤخرا الرئيس التونسي منصف المرزوقي إلا تصب في خانة الخوف من «أسلمة الدولة» التي أصبحت أيضا بمثابة ايقونات الثورات المضادة التي تقودها بقايا الأنظمة المتساقطة كما في مصر عوضا عن دعاة الليبرالية والعلمانية وهم عادة نفر من التيارات والنخب المتآكلة عبر الزمن متخمون بالتناقضات الصارخة. لست هنا في مقام الدفاع عن الإخوان المسلمين فهم ليسوا بحاجة لذلك كما اعتقد، ولكني أمام مسألة تزايد المخاوف والتحريض أجد نفسي أمام السؤال التالي: هل الخوف من «الإخوان» أم من الإسلام؟ إذا كان الخوف من الأول فالثابت أن جماعة الإخوان في كل من مصر وتونس هما حديثتا عهد بالتجربة وليس من الإنصاف في شيء أن نقيم كل هذه الضجة طالما وهم وصلوا للسلطة عبر صناديق الاقتراع التي يحتكم إليها الجميع ومن حقهم أن يحكموا مثلهم مثل غيرهم من أبناء الشعب طالما وصلوا بطرق مشروعة وقانونية ثم أني لست متأكدا من أن الإخوان كحركات سياسية ظلت تعارض لعقود طويلة متحملة ويلات السجون والقتل والتشريد لا تعي أن مسألة إكراه الناس على الدين مرفوضة في الإسلام «لا إكراه في الدين» وأنه الأولى لها في هذه المرحلة هو إقامة بناء الدولة على أساس المشروع الوطني والحضاري لا الديني، فالانتقال إلى الدولة مسألة مختلفة كثيرا عن المعارضة ولا اعتقد أنهم لا يعون جيدا أنهم أصبحوا اليوم ليس أمام جماعة سياسية عقدية فحسب كما كان في الماضي وإنما أمام أمة مختلفة التوجهات والمشارب وبالتالي فإن الأدوات والأساليب سوف تختلف تماما وليس من مصلحتهم بكل تأكيد الذهاب إلى «أسلمة الدولة» رغم عدم قناعاتي بما يروج له انطلاقا من إيماني بأن الشعوب العربية في أغلبها الأعم هي شعوب مفطورة على الإسلام أساساً.
أما إذا كان الخوف من الإسلام وبالتالي يكون الصراع مع «الإخوان» هو صراع غير مباشر مع الإسلام ويتخذ الشكل السياسي لا الديني تحوطا من أن يضع أصحابه في صدام مع المجتمع المسلم فلا اعتقد أن صراعا مثل هذا سيكون مجدياً بل بالعكس فهو يخصم كثيرا من رصيد القوى التي تقف خلفه سيما فيما يتعلق بحديثها عن الحريات الدينية والثقافية والفكرية عدا ذلك فالإسلام دين عالمي وكوني وليس مجرد بضاعة فكرية مستوردة..
إن الحديث عن الإسلام يكتسب أهميته من كونه حديثا يهم الجميع وليس الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية فحسب فالجميع مسلمون سواء الإخوان أو غيرهم في الأحزاب والحركات الأخرى ولا اعتقد ان هناك خلاف حول هذه المسألة فالاختلاف وليس الخلاف هو في كيفية التطبيق العملي على الأرض وهذه مسألة مهمة للغاية أتمنى أن يتنبه لها الجميع لاسيما «الإخوان» وفي تقديري أنهم واعون بأن الموضوع لا يعدوا أن يكون مجرد محاصصات أو البحث عن درجات وظيفية وغيرها بل هو في الأصل مشروع حضاري ومدني جديد ينقل الأمة من حالة الوهن والضعف إلى حالة القوة والعزة ويرسخ دعائم بناء دولة تلبي تطلعات كافة فئات الشعب في الحرية والعدالة والمواطنة.
المرحلة صعبة ولكنها ليست مستحيلة ويبقى على الحركات والأحزاب الإسلامية في دول الربيع الأخرى التحول التدريجي إلى أحزاب مدنية حقيقية وفك ارتباطها بالقوى والبنى العصبوية أو ترويضها على الأقل والتي تلعب دور الكابح لحركتها كي تتمكن من قيادة الثورة وبناء الدولة بمشاركة جماهير الشعب.
التفرد والإقصاء أداة الثورة المضادة لابد من وضع حداً لها وإلا فإن الأمور سوف تتعقد وستعود إلى المربع الأول لا سيما في اليمن حيث تسير العملية ببطء شديد للغاية تتخللها عديد اعتوارات واختلالات يفترض حسمها بجدية وحزم لتحقيق الانتقال الحقيقي صوب بناء الدولة المنشودة وتحقيق تطلعات الجماهير العريضة.