بملامحهم الأفريقية وبشرتهم السمراء، تعيش فئة من فئات المجتمع اليمني يطلق عليها اسم الأخدام “المهمشين” في أوضاع معيشية صعبة على مدار قرون مضت، فشلت التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد من انتشالهم من واقعهم المرير وصهرهم في المجتمع. وتتضارب الروايات التاريخية حول أصول “الأخدام” في اليمن، لكن معظمها تعيدهم إلى الأحباش الذين احتلوا البلاد قبل الإسلام، وأغلبهم من أصول إثيوبية ودول القرن الأفريقي القريب من غرب اليمن وجنوبه. ويتعرّض “الأخدام” للتمييز وغياب الحقوق ويعيشون أوضاعًا صعبة وعزلة عن باقي المجتمع اليمني، ويعملون في مهن دونية كتنظيف الشوارع وغسل السيارات والصرف الصحي فضلا عن التسول. ويعيش أغلبهم في أطراف المدن وفي القرى النائية، في منازل من الصفيح والأكواخ الخشبية، وغالباً ما يكون المنزل الواحد مكونا من غرفة واحدة تعيش فيها أسرة كاملة. وعلى الرغم من تمثيلهم في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد خلال مارس/آذار 2013 إلى يناير/كانون الثاني 2014 بممثل وحيد من أكثر من 500 عضو يمثلون كافة مكونات المجتمع اليمني إلا أن شريحة المهمشين التي يقدر عددها، حسب إحصائيات شبه رسمية، بأكثر من 3 ملايين نسمة، تتخوف من تهميش أكبر في ظل سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثي) على مقاليد الأمور بالبلاد بسبب عقلية قبلية تنظر ل”السلالة” كمعيار. ويكمن تخوّف المهمشين (الأخدام) من موضوع “السلالة” التي يصطفي بها الحوثيون أنفسهم، إضافة الى قدومهم من بيئة قبلية لا زالت تصنّف اليمنيين “أخدام”، و”قبائل”. ويقول مهمشون إن الحوثيين لم يبعثوا حتى الآن أي رسائل تطمين لشريحة المهمشين كما يفعلون مع مكونات الجنوب بخصوص الشراكة الوطنية، رغم أن الجميع كانوا ممثلين في مؤتمر الحوار الوطني وأصحاب مظلمة. وفي تصريحات للأناضول، قال ممثل المهمشين في مؤتمر الحوار الوطني، نعمان الحذيفي، إن كل القوى السياسية اليمنية ممثلة بلجنة صياغة الدستور قامت باستبعاد الكوتة الخاصة بالمهمشين من مسودة الدستور الجديد للدولة الاتحادية اليمنية. وأضاف الحذيفي الذي ينوي عقد مؤتمر صحفي في الأيام القادمة قد يعلن فيه مقاضاة لجنة صياغة الدستور: “نحن نعيش في مجتمع قبلي ينظر إلى السلالة كمعيار، كان المفروض أن يتم تأصيل كوتة المهمشين في مسودة الدستور لكن للأسف لم يحدث ذلك”. واقترح مؤتمر الحوار الوطني كوتة للمهمشين ب 10 بالمائة في المناصب الحكومية أسوة ببقية الأحزاب، أسوة بكوتة المرأة التي منحها 30 بالمائة من وظائف الدولة. وأشار الحذيفي، وهو رئيس اتحاد المهمشين، إلى أن اتفاق السلم والشراكة الذي وقع بين القوى السياسية عشية اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء يوم 21 سبتمبر/أيلول الماضي نص على “تحسين وضع المهمشين في المأكل والمشرب” فقط دون بقية الحقوق السياسية والمدنية رغم تحدثهم عن شراكة مع كافة مكونات المجتمع. ويعلن الحوثيون (الذين يسيطرون على مقاليد السلطة في اليمن عبر “لجنة ثورية” منحها ما سُمي ب” الإعلان الدستوري” صلاحيات أكبر من المجلس الرئاسي والحكومة القادمة) أنهم مع الشراكة مع كافة الشرائح اليمنية وسيعملون على إنصاف الفئات التي عانت الإقصاء. إلا أن الحذيفي يرى ذلك “كلاما للاستهلاك الإعلامي”. وأضاف الحذيفي متهكمًا: “الشراكة التي يريدون تطبيقها ستكون بين ( أنصار الله والحوثيون ) والعكس.. ماذا تتوقع من فئة تقول إن سلالتها أفضل منك، وترى نفسها أعلى من القبائل وليس نحن (الأخدام)، القوى السياسية جميعها تتفق على سلب المهمشين حقوقهم”. واستقدمت جماعة الحوثي في المؤتمر الذي عقد في العاصمة صنعاء الأسبوع الماضي وأعلنت خلاله ما سمي “الإعلان الدستوري”، ممثلاً عن فئة المهمشين هو محمد القيرعي. وسمحت له بإلقاء كلمة ذيلت قنوات التلفزة المملوكة للجماعة صفته ب”ممثل أحفاد بلال” (الصحابي بلال بن رباح الحبشي) أعلن فيها أن جماعته انضمت لما يسمى ب”ثورة الحوثي” إلا أن الحذيفي نفى للأناضول ذلك، قائلا: “انضمامه شخصي، نحن نقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية”. وحصد المهمشون ثمارًا قليلة من الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أبرزها كسر حاجز الخوف الذي ظل ملازما لهم لعقود، وظلوا يعملون فيها ك”عمال نظافة” في غالب المحافظاتاليمنية وبالأجر اليومي الذي لا يتجاوز دولارين في اليوم. وعقب ثورة 11 فبراير/شباط 2011، بدأ المهمشون بتأسيس “جمعيات مدنية”؛ للمطالبة بحقوقهم وإشراكهم في الحياة الاقتصادية وتمكينهم من الوظيفة العامة مع التخلي عن رهبة القمع التي تجلت بتنفيذ عمال النظافة منهم إضرابات متفاوتة عن العمل امتدت لأسابيع غرقت خلال هذه الفترة العاصمة اليمنية والمدن حينذاك بالقمامة لكن تصعيدهم ذلك تكلل بمنح أولئك العمال درجات وظيفية رسمية في السلك الإداري للدولة. وعلى الرغم من اعتماد غالبيتهم على مهنة النظافة في محافظاتاليمن إلا أن رئيس اتحاد المهمشين، نعمان الحذيفي، أكد أن 30 % فقط من يعملون في قطاع وجمع المخلفات البلاستيكية والخردوات لبيعها فيما 70% يقتاتون من التسول. ويمتهن المهمشون أيضًا مهنة تلميع الأحذية حيث يجلسون أمام شوارع المدن الرئيسية يبحثون عن ذوي الأحذية المغبرة لإقناعهم بضرورة تلميع أحذيتهم. وفي حديث للأناضول، قال أحمد عبدالله، وهو مهمش يعمل ك”إسكافي” لترميم الأحذية المهترئة على ناصية شارع جمال عبدالناصر في قلب مدينة تعز: “لو كان هناك مساواة لما عملنا في هذه المهن الرخيصة، أقوم بإعالة أسرة من خمسة أطفال من هذه المهنة، أحيانا أعود ب1000 ريال (5 دولارات) وأحيانا لا أستطيع العودة لأطفالي بوجبة العشاء”. وأضاف لمراسل الأناضول: “كافة المهن الرخيصة نقبل بها، هل رأيت شخصًا من غير الأخدام يقبل بمهمة تنظيف غرف المجاري (الصرف الصحي)، ولا يخجل، نحن نحارب لكي نعيش فقط”. وأشار إلى أن “أطفالنا لا يتمكنون من الالتحاق بالتعليم بسبب النظرة الدونية الحاصلة في المجتمع″، ومن أجل ذلك بدأت منظمات دولية ببناء وحدات سكنية ومدارس خاصة بالمهمشين. ويؤكد حقوقيون أن فئة المهمشين مازالت تعاني من انتهاكات مستمرة رغم كل ما حدث من تغيرات في البلد، وأن الحكومات المتعاقبة تخشى مساواتهم ببقية شرائح المجتمع خوفا من “فراغ” في الشوارع اليمنية سيوجد إذا تخلى المهمشون عن مهنة النظافة. واعتبر أمين عام منظمة “سماء للدراسات والتنمية” (الخاصة)، مطهر الشرجبي، أن أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها المهمشون (الأخدام) تتركز في الحرمان من الحقوق والمواطنة المتساوية والخدمات العامة واتساع مساحة الفقر والبطالة في هذه الفئة، إضافة إلى حرمانهم من حقوقهم السياسية وتمثيلهم على مستوى المجالس المحلية أو النيابية”. وأضاف، في دراسة خاصة، حصلت الأناضول على نسخة منها، أنه “يتم الدفع بهم لمزاولة المهن الشاقة والحقيرة والخطرة دون وجود ضمانات صحية وتأمينية تجاه الإصابات والأضرار فيما تتفشي الأمية وينعدم الوعي الحقوقي والصحي في أوساط المهمشين”. وتقسم الأعراف اليمنية المواطنين إلى “قبائل” و”أخدام” (مهمشون)، ووفقا لذلك يستحيل أن توافق أسرة يمنية تزويج ابنتها من مهمش من ذوي البشرة الداكنة.