لسنوات عديدة ظلت العلاقة بين الإسلام والولاياتالمتحدة محكومة بالقوالب النمطية التي يكرسها الإعلام في كلا الجانبين، لاسيما في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي ساهمت في تنميط صورة كل طرف لدى الطرف الآخر. فالصورة النمطية للمسلم في الإعلام الغربي تتمثل في رجل إرهابي يرتدي عمامة ويطلق لحيته ويقوم بتفجير الطائرات ونسف المباني العامة وقتل المدنيين، بينما تظل الصورة النمطية للأمريكي في الإعلام الإسلامي تتركز حول الرجل الإمبريالي الذي يسعى لنهب ثروات العالم الإسلامي ونفطه، ويعمل على غسل أدمغة الشعوب الإسلامية لفرض ثقافة الكاوبوي على هذه المجتمعات. والمشكلة في هذه الصور النمطية أنها لا تفرق بين المواطنين العاديين وبين صناع القرار، وتقوم بتعميم الصورة لتشمل الجميع، وكل ذلك يسهم في إذكاء مشاعر الاستياء والكراهية بين الجانبين، مما يعني أن وسائل الإعلام في كلا الجانبين تكرس المفاهيم الخاطئة سواء بقصد أو بدون بوعي، ومع ذلك تظهر بين الحين والآخر مبادرات إيجابية تحاول القضاء على هذه الصور النمطية الخاطئة، غير أن هذه المبادرات الإعلامية تكاد تقتصر على القطاع غير الربحي الذي يخضع لقيود مالية شديدة خاصة في ظل الانكماش الاقتصادي الأخير. كان هذا محور بعض الأوراق المقدمة للمنتدى العالمي الأمريكي الإسلامي الذي عقد في أغسطس 2011 بالعاصمة الأمريكيةواشنطن، في إطار مشروع معهد بروكينز Brookings للعلاقات بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي. وفي تقرير بعنوان "حوارات مقطوعة بين الولاياتالمتحدة والمجتمعات العالمية المسلمة"، وأصدره المعهد في نفس الشهر (أغسطس 2011) تم عرض بعض المبادرات والجهود الرامية لتغيير الصور النمطية في وسائل الإعلام بين الطرفين. الإعلام المرئي على الرغم من أننا نعيش في عصر انتشار الشبكات الاجتماعية، فما زالت وسائل الإعلام المرئية من أقوى الأدوات في تشكيل والتأثير على الرأي العام. لذا فقد حاول المنتدى العمل على إتاحة فرص مد جسور التعاون بين العالمين الإسلامي والغربي، وقد أجمع المشاركون فيه على ضرورة انتهاز التغيير في العالم العربي من أجل تحسين العلاقات مع الغرب والولاياتالمتحدة لاسيما أن استطلاعات للرأي أظهرت أن أحداث العالم العربي انعكست إيجابا على نظرة الأميركيين إلى الشعوب العربية. وبتحليل دور وسائل الإعلام المرئية في تكريس القوالب النمطية، يمكن الكشف عن خطاب إعلامي أمريكي سائد يدعم العداء المسبق للإسلام والمسلمين. فعلى سبيل المثال رصد وسائل الإعلام الأمريكية لردود أفعال المسلمين على نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للإسلام يكاد يقتصر على أقلية تدعو للعنف والانتقام من الغرب، دون تفرقة بين مسيء وبين مسالم، بينما لا يتم تسليط الضوء على أصوات أخرى متعقلة تدعو للحوار وتميز بدقة بين متعمدي الإساءة وبين هؤلاء الذين يرفضونها من داخل الغرب نفسه. في الوقت نفسه لا تفرق وسائل الإعلام في الدول الإسلامية بين الممارسات الأمريكية الصهيونية الرامية لاحتلال الشعوب الإسلامية واستنزاف ثرواتها، وبين المواطن الأمريكي أو الغربي العادي الذي يعارض مثل هذه الممارسات وينتقدها بشدة. والنتيجة أن الصورة الذهنية الخاطئة تتأصل في الوعي الشعبي لدى الجانبين. وفي استطلاع للرأي العام العربي أجرته جامعة ميريلاند عام 2010 بالتعاون مع مؤسسة الزغبي الدولية، أظهرت النتائج أن 39% من العرب اعتبروا الدين هو المكون الأهم لهويتهم، على الرغم من أن 47% من المشاركين أكدوا أنهم يشاهدون الأفلام الأمريكية والأوروبية يوميا، مما يعني تعرضهم بشكل يومي لثقافة البوب الأمريكية. والأكثر من ذلك أن استطلاع رأي أجراه معهد جالوب بعنوان "رصد العلاقات الغربية الإسلامية" كشف عن أن كلمة السر التي يمكن للغرب أن يكسب بها ثقة المسلمين لتتحسن علاقته بالمجتمعات الإسلامية تتلخص في "احترام الإسلام". فقد ذكر 72% من المشاركين في الاستطلاع أن الامتناع عن تدنيس القرآن والرموز الإسلامية ستكون ذات معنى طيب. كما قام 54% من المشاركين بتعريف كلمة الاحترام بأنها معاملة عادلة في السياسات التي تمسهم، وأشار 49% إلى أن الاحترام يعني أن يتم رسم صورة صحيحة وإيجابية للمسلمين في الأفلام الأجنبية، فالمعايير المزدوجة من أكثر ما يضايق المسلمين من الغرب والتي يساهم الإعلام في تفاقمها بشدة . الإعلام غير الربحي بعد عدة محاولات أمريكية لتمويل وسائل إعلامية تسعى للتقارب مع العالم الإسلامي، وجدت أن الفشل يحيق بها خاصة مع صدور فتاوى من بعض علماء المسلمين بتحريم مشاهدة هذه القنوات، ومنها على سبيل المثال قناة الحرة، التي تمولها الولاياتالمتحدة، فصدرت عدة فتاوى بتحريم مشاهدتها على أساس أنها أنشئت لمحاربة الإسلام، ونشر الانحلال الأمريكي على نطاق واسع داخل البلدان الإسلامية. وعلى نفس المنوال يتشكك الكثير من المسلمين في القنوات الممولة من الحكومات الإسلامية والعربية ذاتها وفيما تقدمه، معتبرين إياها أبواق للحكومة مما يقلل من مصداقيتها. لذا فإن البديل الأنسب للولايات المتحدة يتمثل في دعم منظمات المجتمع المدني في الدول الإسلامية نفسها، من خلال تمويل وسائل إعلامية ذاتية بدلا من إنشاء قنوات تابعة للإدارة الأمريكية. ويتلخص هذا البديل في أن تستعين الولاياتالمتحدة بمذيعين ومقدمي برامج دوليين، من العاملين في الولاياتالمتحدة، وذلك بالاستفادة من صلاتهم غير الرسمية بهذه المنظمات المدنية غير الربحية وبمن يمكن أن يصبحوا منتجين محتملين في المستقبل، وبالمؤسسات التي تقدم منح ومساعدات، مثل "مؤسسة التفاهم العالمي". وهناك العديد من المبادرات في هذا الصدد التي كللت بالنجاح، من بينها على سبيل المثال خدمة التليفزيون المستقلة (ITVS) والتي تتلقى تمويلا هائلا من الحكومة الأمريكية، ولكن على العكس من قناة الحرة، تقوم المنظمة بتمويل منتجين مستقلين يتناولون قضايا معقدة ويعرضون لمختلف الرؤى والآراء حولها، والتي يفتقدها الإعلام الرسمي. وبحسب ما هو معلن عن خدمة التليفزيون المستقلة، فإنها عبارة عن "تجمع مستقل، لبث إعلام وبرامج جديدة ذات جودة عالية على الأصعدة المحلية والوطنية، والدولية". وذلك بقصد "إثراء المشهد الثقافي مع تمثيل أصوات ورؤى المجتمعات، لتعكس مصالح واهتمامات متنوعة للمجتمع". فضائيات للجميع يعكس المشهد الفضائي العربي تنوعا هائلا نجح في جذب الشركات الإعلانية لاستثمار ارتفاع معدلات المشاهدة العربية. فمن بين أكثر من 600 فضائية عربية، تنتشر القنوات الدينية والتي تستحوذ على نسب مشاهدة عالية، وهناك أيضا البرامج الإخبارية الحوارية التي تجتذب المشاهدين من مختلف الأطياف، حتى أن الشركات الخليجية وخاصة السعودية أصبحت تتنافس على رعاية هذه البرامج. على سبيل المثال تتنافس عدة شركات سعودية محلية ودولية على الحصول على مساحات إعلانية في برنامج "يا ليل يا عين" الذي تقدمه قناة LBC اللبنانية وهو برنامج ثقافي تحرري، كما تستأثر إحدى الشركات السعودية برعاية برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي تقدمه قناة الجزيرة وهو برنامج حواري سياسي. وقد دفع نجاح هذه القنوات الفضائية (الخاصة وشبه الخاصة) إلى محاولة الفضائيات المحلية المملوكة للدولة تغيير خريطة برامجها إلا أنها لم تحرز نجاحا يذكر لسيطرة التوجيهات الحكومية. وفي العادة لا تجتذب وسائل الإعلام العربية المستثمرين من القطاع الخاص الأمريكي، لكونها أسواقا نائية عن هوليوود، ومن ثم لا تميل الشركات الأمريكية للإعلان عن أفلامها مثلا في الفضائيات العربية بسبب أن أغلب المشاهدين العرب إما ينتظرون مضي فترة على عرض الأفلام –ومن بينها أفلام هوليوود- ليشاهدوها مجانا، أو يقومون بمشاهدتها أثناء العرض مجانا أيضا بسبب انتشار عمليات القرصنة في ظل غياب سياسات حماية الملكية الفكرية. من أجل ذلك فإن فرصة الولاياتالمتحدة لتغيير الصورة النمطية عنها لدى العرب والمسلمين ستظل محدودة جدا خاصة مع استمرار تقديمها لمحتوى فني لا ينسجم مع المعايير والثقافة الإسلامية. فالأمريكيون لا يدركون أن تغيير الصورة النمطية لا تحتاج للتقنيات والتكلفة العالية في هوليود بقدر ما تحتاج للتبسيط واحترام الثقافة والتقاليد وتقديم الصورة الصحيحة للمسلمين. ونفس الأمر ينطبق على الإعلام العربي الذي يحاول البحث عن مكان له على خارطة الأمريكيين الإعلامية، على سبيل المثال أطلقت قناة الجزيرة الإنجليزية في عام 2006 من واشنطن لكنها لم تنجح في إقناع شركات الكابل الأمريكية لتقديم القناة لعملائها، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى مقاومة مزودي خدمات الكابل للعلامة التجارية للجزيرة خوفا من احتمال رد فعل عنيف من المعلنين، إضافة إلى أسباب سياسية نظرا لما كانت إدارة الرئيس الأمريكي بوش تكنه من عداء لشبكة الجزيرة. إسلام أون لاين