"هذا حذاء لعمي لو رأيت بوش لضربته به أنا أيضًا" هذا الكلام صدر تلقائيًا من ابن شقيق منتظر الزيدي وهو يمسك حذاء عمه و يوجه كلامه للصحفيين الذين هرعوا إلى بيته بعد اعتقال منتظر إثر قذفه بوش بالحذاء. لقد فوجئ العالم بقدوم الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى بغداد قبل نحو شهر من تسليمه الحكم لخلفه باراك أوباما في زيارة لم يعلن عنها وتحتمل تأويلات كثيرة خاصة في هذا التوقيت. ولكن المفاجأة الأعظم كانت هي الحذاء. . . حسن الرشيدي ونقصد به حذاء الصحفي في قناة البغدادية العراقية يدعى منتظر الزيدي الذي قاطع بشكل مفاجئ مساء الأحد الماضي مؤتمرًا صحافيًّا مشتركًا للرئيس الأميركي ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وصاح الصحافي وهو يرمي حذاءيه الواحد تلو الآخر على بوش: هذه قبلة الوداع يا كلب. وانحنى بوش وتجنب الحذاء الأول الذي مر قرب رأسه وأصاب العلمين الأميركي والعراقي المرفوعين خلف المسئولين، ولم يتسن للصحافي تصويب الحذاء الثاني بدقة. وسرعان ما تناقلت وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم مشاهد الحادث. ويحمل الحدث أكثر من دلالة. . . أولى دلائل هذا الحدث هو فشل الإستراتيجية الأميركية ليس في العراق فحسب ولكن في الشرق الأوسط بأكمله وكان أصدق تعبير هذا البيان الصادر عن الحزب الديمقراطي الأميركي والذي يقول فيه: إن هذا الحدث هو دليل على فشل سياسة بوش في العراق، ودليل على فشل هذه الإدارة في الدفاع عن السمعة الدولية للولايات المتحدة الأميركية. فسمعة الولاياتالمتحدة باتت في الحضيض كما أراد بيان الحزب الديمقراطي أن يقول، فبعد فضائح أبو غريب وجوانتنامو وقتل آلاف المدنيين في العراق وأفغانستان وفلسطين على يد ربيبتها إسرائيل والتدخل الإيراني السافر في الشئون العراقية حتى بات جنوب العراق أشبه بالمحتل، لدرجة أن عبد العزيز الحكيم زعيم ما يعرف بالمجلس الأعلى للثورة في العراق هو أقوى التنظيمات الشيعية العسكرية والمعروف أنه إيراني الهوى والمنشأ والتدريب أصبح يطالب بالكونفيدرالية في جنوب العراق ووسطه، أي شبه الاستقلال عن بقية العراق. أولى دلائل هذا الحدث هو فشل الإستراتيجية الأمريكية ليس في العراق فحسب ولكن في الشرق الأوسط بأكمله فالإستراتيجية الأميركية والتي جاءت في بداية غزوها لأفغانستان والعراق كانت تريد تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة: أولها تغيير الشرق الأوسط القديم إقامة شرق أوسط جديد، شرق أوسط ديمقراطي على الهوى الغربي بعد تغيير الأنظمة الشريرة، والقضاء على الجماعات الإرهابية المتطرفة وفق المقاييس الأميركية، فأميركا أرادت أن تفرض قواعدها الجيوبوليتيكية على المنطقة بما يسمى الشرق الأوسط الكبير، باعتباره وفق نظرية كوهين منطقة جيوبوليتيكية أطلق عليها حزام مهشم، أو هو وفق نظرية ماكندر يندرج ضمن الهلال الداخلي، حيث هو منطقة الصدامات بين قلب الأرض (روسيا ومناطق نفوذها في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية)، والهلال الخارجي (بريطانيا والولاياتالمتحدة واليابان وأستراليا)، أو هو وفق نظرية العالم الأميركي سبيكمان أرض الإطار، أو من منطقة الالتحام، فمن يحكم الإطار يحكم القلب (أوراسيا)، ومن يحكم القلب يحكم العالم. حيث تفتقر إلى الوحدة السياسية وتسودها الصراعات، فبعد أن سيطرت الولاياتالمتحدة على قلب العالم بقواعدها العسكرية في شرق أوروبا والقوقاز، انتقلت أميركا إلى ضبط الحواف والأطراف والمناطق المهشمة. وثاني هذه الأهداف الأميركية: السيطرة على النفط وممرات نقله، لتتحكم في القوى الصناعية في العالم وتجعلها تحت الهيمنة الأميركية، وبذلك تضمن أميركا ثبات موضعها في خريطة النظام الدولي. أما ثالث هذه الأهداف فهو ضمان أمن إسرائيل بإسقاط النظام الوحيد الذي ضرب تل أبيب بالصواريخ، وإقامة نظام إقليمي جديد تضمن فيه إسرائيل ديمومتها، وتزيل بعضًا من قلقها على مستقبلها الغامض أو مستقبلها المحتوم. وثاني دلائل ضرب بوش بالحذاء هو أنه تعبير عن غضب مكبوت داخل نفوس الشعوب العربية والإسلامية، إزاء الهجمة الأميركية على أراضيه واحتلال أعز أراضيه في أفغانستان والعراق، والتي كانت تقف حائطًا صلبًا أمام كل من الهيمنة الأميركية والتمدد الشيعي الإيراني، فالشعوب مقهورة وهي واقعة بين سندان الحكومات الظالمة وسندان الإستراتيجيات التي تستهدفها والحكومات الظالمة تحول بينها وبين ممارسة دورها في صد العدوان ومكافحة الهجمات والسهام المصوبة عليها من كل لون، فتارة غزو فكري تحت ستار حرب الأفكار، فالهوية الإسلامية باتت على المحك وصار التدين الحقيقي تطرفًا وإرهابًا، وتم استيراد تدين جديد على المقاس الأميركي سماه بعضهم (إسلام على الطريقة الأميركية)، تدين يجعل الناس مستمرين في هواهم وانحرافاتهم طالما يستمعون لفلان يعظهم وهو يلبس آخر خطوط الموضة على هذه الفضائية، أو علان على فضائية أخرى ليس لديه أي شيء حرام بل كله حلال. وهناك أيضًا خنق اقتصادي مرة بسبب ارتفاع أسعار النفط، ومرة أخرى بسبب انخفاض أسعاره والفقر يزداد، وبات الحصول على الضروريات من القوت اليومي والملبس والحد الأدنى من الملجأ بصعوبة ليس لها نظير، والفقر هو العصا التي تكسر كرامة الإنسان وعزة نفسه. و في آخر الإحصائيات أن الدول العربية والإسلامية تعاني حاليًا من البطالة حيث وصلت نسبة البطالة في الدول الإسلامية إلى 19. 2% والبطالة في الدول العربية 16% ويتوقع أن يصل عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي إلى 25 مليون عاطل بحلول عام 2010، ويمثل معدل البطالة بين الشباب العربي نسبة 22% وهي أعلى نسبة في العالم. وإذا نظرنا إلى الفقر في العالم الإسلامي نجد أن 37% من العالم الإسلامي تحت خط الفقر، وأن الفقر وراء90% من حالات الطلاق في اليمن، وبلغت نسبته 37% بقطاع غزة، وفي مصر تراوحت التقديرات بين 34% و45%. ولكن إن كانت الشعوب العربية قد فرحت وعبرت عن ما يكبت داخلها من غضب ورفض للهيمنة الأميركية فإن هذا الحدث لا يعد انتصارًا عربيًا إسلاميًا، فلا زال العراق محتلاً والمؤامرات تتوالى عليه من كل حدب وصوب، فما يعرف بالاتفاقية الأمنية المؤقتة التي وقعتها حكومة المالكي والتي جاء بها الاحتلال مع الإدارة الأميركية مهزلة بكل المقاييس، فهي في حقيقتها تجعل الجندي الأميركي هو الآمر الناهي في الشارع فوق المواطن وحتى الجندي العراقي نفسه فيحق للجندي أن يقتل من يشاء بدون سبب، وبدون محاكمة، وغيرها من البنود الاستسلامية، والتي تكرس الاحتلال الناعم الأميركي الغير مباشر والتي تحتل فيها أميركا العراق. ولكن ليس على حساب أرواح جنودها أو تخسر أموالها، بل تجني بواسطة هذه الاتفاقية المال والمكاسب السياسية دون خسائر. . . لذلك فمن حق هذه الشعوب أن تفرح لرمي الحذاء على بوش، ولكن هذا لا يلهيها عن أخذ الخطوات الجادة والفاعلة لتغيير وضعها المزري والبائس بعيدًا عن عواطف سرعان ما تزول.