بتصاعد الصراع بين أمين عام حزب المؤتمر الشعبي "الرئيس هادي" ورئيس الحزب "علي صالح" يجري التغطية على المماطلة المستمرة في تنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية وصرف الأنظار عن الاحتقان المتسع في المشهد السياسي والنار الملتهبة تحت رماد ورقة الصراع على رئاسة حزب المؤتمر. تبدو العلاقة بين أحزاب المشترك والرئيس هادي غير صحية، فدائرة الاحتقان تتسع مع الاقتراب من نقطة الصفر، حيث تنتهي المرحلة الانتقالية المحددة بعامين.. بوادر الحلول لبؤر القطيعة تسير ببطء شديد، الأمر الذي قد يوفر لأطراف على خصومة مع الرئيس و/ أو المشترك فرصة الاختراق وتغذية الحواجز وتعقيد جدارات فتور تلك العلاقة. يظهر الرئيس هادي استجابة متطورة للانجذاب نحو التعقيدات وخدائع التأزيم والتمسك بسياسة الهروب إلى الأمام والاستقواء بفرص القوة واحتكار القرار السيادي مستغلا الاختلال القائم في ميزان القوى. يتجه الصراع بين هادي وصالح صوب الانتخابات الرئاسية القادمة في وقت لا تزال الغلبة لصالح في قرار حزب المؤتمر. يبدو هادي عاجزا عن حسم الصراع المتجه صوب التعقيد، وأيا كان سبب تأخر حسم ذلك الصراع وما إذا كان هادي يميل إلى بقاء الوضع على حاله فإن رهان هادي على حزب المؤتمر يبدو خاسرا. على الجبهة الأخرى يغض هادي طرفه عن التشققات المتسعة في علاقته بتكتل المشترك وقوى الثورة التي تسابقت على صناديق الاقتراع في فبراير 2012م وكانت السبب في الوصول إلى المرحلة الانتقالية. فشل الإفراج عن المعتقلين الأسبوع الماضي فشلت توجيهات الرئيس هادي في الإفراج عن المعتقلين من شباب الثورة وأظهر هادي تراخيا مكشوفا مع عصيان النائب العام المعين بقرار من علي صالح للتوجيهات وانصياعه لضغوط رئيس المؤتمر الذي يتمتع بالحصانة ودعاة الحروب في الحزب مستندا لذرائع لا تبدو منطقية في الزمن الراهن على الأقل. قبل أكثر من أسبوعين علت صرخة المشترك داعيا الرئيس هادي ل"القيام بواجباته وفقا للمبادرة الخليجية"، وهي الدعوة التي تعني ضمنيا وجود انحرافات في سياسة وقرارات هادي عن المبادرة وحالة التوافق المفروض والمفترض، وهي الانحرافات التي يرفضها المشترك وأفصح عن ذلك في بيانه الصادر في الخامس عشر من مايو المنصرم. وحمل سكوت هادي عن تصرفات النائب العام الذي نقض توجيهات رئاسية وأفرج فقط عن 17 من أصل 19 شملهم التوجيه وتمرده قبل ذلك على توجيه سابق بحجة أنه "غير صريح"، إشارات نية مبيتة للمساومة بالمعتقلين والمقايضة بهم. نصت المبادرة الخليجية على أن يتم الإفراج عن جميع المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسرا على ذمة "أحداث 2011" وكان يفترض أن يتم ذلك قبل أشهر خصوصا وأن صالح يتمتع بالحصانة المخطئة. تقسيط الاستحقاقات من بؤر الاحتقان تأخير استحقاقات مرحلة التغيير وعرقلة إنفاذ المصالحة الوطنية باعتبارها إحدى أبجديات التسوية. ومقابل عدم تشكيل لجنة التحقيق في انتهاكات 2011م التي صدر بها قرار رئاسي وانتهت مدتها القانونية في مايو المنصرم قبل تشكيل أعضائها، لم يتم إقرار قانون العدالة الانتقالية المشروط صدوره مقابل حصانة صالح. تبذل أطراف مساع لإفشال العدالة الانتقالية، في وقت يصر هادي على إبقاء مشروع قانون العدالة المختلف عليه في أرشيف مجلس النواب الذي تسلمه من هادي في 6 يناير 2013م وأعلن المشترك رفضه القاطع لذلك القانون وطالب بسحبه، ومع أن هادي كان قد وعد بسحب القانون إلا أنه لم يفعل بعد. ولا تزال كتلة المشترك تقاطع جلسات البرلمان الذي انسحبت منه في 12 مايو مطالبة بأن يكون عمل المجلس مطابق للتوافق الذي فرضته العملية الانتقالية ونصت عليه المبادرة، بما في ذلك إعادة انتخاب رئاسة المجلس وأمانته العامة ولجانه الدائمة التي يسيطر عليها حزب المؤتمر. يبدو الرئيس هادي غير مكترث لمقاطعة المشترك وعدم اعترافه بمخرجات السلطة التشريعية، لقد مثل انفراد كتلة المؤتمر بقرارات المجلس والتصويت على إحالة قانون العدالة الانتقالية إلى اللجان المختصة وبدء اتخاذ إجراءات التصويت على أعضاء هيئة مكافحة الفساد القشة التي أثارت حفيظة المشترك الذي وجد نفسه في مربع ما قبل الثورة وأمام غلبة حزب المؤتمر التي كانت واحدة من أسباب اندلاع الثورة. أوقف هادي إجراءات هيئة مكافحة الفساد لكن تشكيلها لم يتم بعد، ووعد بسحب قانون العدالة لكنه لم يفعل حتى اليوم، في وقت لا يزال المشترك يتمسك بصبره الحذر ويفكر في آليات التعامل مع تلك الأوراق المتراكمة. قشة لجنة الانتخابات اللجنة العليا للانتخابات هي العنوان الآخر من بؤر الاحتقان، يتمسك المشترك بموقفه المصر مطالبا بإعادة تشكيل الجهاز الفني والإداري في اللجنة التي تمثل قلب العملية السياسية والعمود الفقري للديمقراطية. نصت المبادرة على إعادة تشكيل لجنة الانتخابات وإعداد سجل انتخابي جديد، ووافق المشترك على تشكيل اللجنة من القضاة (29/11/2012) بشرط تصحيح الجهاز الفني والإداري المشكل من حزب المؤتمر ومقربين من صالح، لا معنى في نظر المشترك لسجل إلكتروني تمضي اللجنة ببطء شديد في إجراءاته في ظل بقاء الجهاز القائم.. وبعث المشترك رسالة إلى هادي بهذا الخصوص ولا يزال ينتظر الرد الذي يبدو متأخرا. يعول على اللجنة المفترض فيها الحيادية والاستقلالية والسجل الانتخابي الجديد الوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية حرة ونزيهة تضمن إتمام انتقال السلطة في فبراير 2014م، ويفترض أن يتم الاستفتاء على الدستور الجديد المقرر أن يتم في أكتوبر القادم بالسجل الإلكتروني المتفق عليه، لكن بقاء الجهاز الحالي في اللجنة يطعن في نزاهة السجل ويشكك في مصداقيته ويفتح الأبواب أمام فرص التلاعب به وبالتالي التلاعب بنتائج أي انتخابات كما يعتبر المشترك. لجنة "التفسير" ولجنة "التوفيق" بالمخالفة لنصوص المبادرة لم يتم تشكيل "لجنة التفسير" المفروض تشكيلها في الأيام الأولى للمرحلة الانتقالية، بلع المشترك الطعم وقبل الاستعاضة بلجنة التوفيق لمؤتمر الحوار التي تأخرت هي الأخرى أكثر من شهرين وتم تشكيلها الأسبوع قبل الماضي. ومقابل التقدم المقبول في هيكلة الجيش والأمن لا يوجد أي تقدم على المستوى الدبلوماسي ولا تزال عشرات الحقائب شاغرة رغم إعلان الرئاسة في غير مرة قرب صدور قرارات بذلك، وكان وزير الخارجية أبو بكر القربي أعلن عن دنو زمن تلك القرارات. ينسحب الأمر ذاته على محافظي المحافظات الملتهبة، فرغم وعود متكررة أطلقها الرئيس لاستبدال بعض المحافظين كان مدير مكتب رئيس الجمهورية أعلن قبل أكثر من شهر أن قرارات ستصدر "خلال أسبوعين" لتعيين محافظين. القطيعة مع المشترك يستمر صالح مع القطيعة القائمة بين الرئيس هادي والمشترك لتعزيز موقفه وحزبه استعدادا للانتخابات القادمة، لكن ريع ذلك الاستثمار الذي يبدو أنه في مصلحة حزب المؤتمر لن يستفيد منه هادي الذي يدرك أن الرهان على الحزب رهان خاسر أمام أطماع صالح في العودة إلى السلطة والتمسك برئاسة الحزب كمظلة لعرقلة التسوية والبقاء في الملعب السياسي. يدرك هادي أن المشترك وقوى الثورة هي الخيار المستقبلي الأقوى، لكن تلك الورقة قد تفلت من يده نتيجة الفشل المتكرر في الحفاظ بعلاقة جيدة مع المشترك مع تراخي علاقته بقوى الثورة التي ترفض استثمارها كورقة في الصراع على رئاسة حزب المؤتمر. يعتقد هادي أن تأخير الاستحقاقات والاحتفاظ بها كأوراق مستقبلية يمكنه من إحكام القبضة بوسائل القوة والقرار، إلا أن ذلك التسويف والمماطلة يصب في المحصلة النهائية لمصلحة أعداء التسوية المتربصين للرئيس هادي والثورة أيضا. إن الخيار الرابح أمام هادي هو الانحياز للتحالف مع أحزاب المشترك، وإن المبالغة في استثمار الخلافات داخل المشترك ومد اليد لبعض تلك الأحزاب خيار فاشل، فالأحزاب التي ذهبت إلى أحضان صالح والحوثي وإيران والبيض قد حسمت قرارها وليس من السهل تراجعها عنه، والأحزاب الأخرى لها تجربة عريضة مع نظام صالح ولن تقبل بالتالي بتحالف التجزئة وهي تدرك أن قوتها في وحدتها وتماسكها.