كان بمقدور الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين الحيلولة دون وقوع الانقلاب والسيطرة على السلطة في مصر بالارتماء في أحضان واشنطن، أو حتى في أحضان موسكو. لا مراهنة على الشارع ولا الوعي الشعبي ولا الديمقراطية وصناديق الاقتراع.. المراهنة –فقط- على الموقف الدولي، وأن يكون للحاكم العربي ظهر أجنبي يعتمد عليه في ترسيخ حكمه، تماما كما حكمت تلك الأنظمة السابقة في الوطن العربي على امتداد نصف قرن من الزمن، وبعضها لا يزال يحكم رغم طول الفترة. هل كسبت هذه الأنظمة حب شعوبها وحققت لأوطانها الإنجازات والنهضة والتطور وحكمت بالديمقراطية والرأي والرأي الآخر والحريات الصحفية وحفظ حقوق الإنسان، أم حكمت بالحديد والنار وما إن أمسكت بمقاليد الحكم حتى التفتت نحو المعارضين وكل من ليس معها وطفقت مسحا بالسوق والأعناق معتمدة -فقط- على الحليف الأجنبي!؟ كان بإمكان الإخوان أن يفعلوا ذلك في مصر، وسنة واحدة أكثر من كافية لفعل هذا، لكنهم لم يفعلوا.. وتلك هي النقطة التي تفسرها كلمة محمد اليدومي -رئيس الهيئة العليا للإصلاح- حين قال: "هناك فرق بين من يريد أن يحكم، وبين من يريد أن يبني دولة". لقد ظل العداء محتدما بين الإسلاميين واليسار لأكثر من خمسين عاما تركت آثارا نفسية وعاطفية ليس من السهل تجاوزها، وظل الإسلاميون –خلال هذه الفترة- هدفا لحرب ضروس تشنها عليهم تلك الأطراف الدولية الكبرى ومعها الأنظمة التي كانت مستفيدة من مواقعها في الحكم، وبعضها لا يزال حاكما حتى اليوم، وتركت هذه التعبئة الدولية المنظمة آثارا تضاف إلى الأولى ليس من السهل تجاوزها إلا بوعي الإسلاميين من جهة، والعلمانيين من جهة أخرى، وفي مقدمتهم المنتسبون إلى اليسار الذين اكتتوا كالإسلاميين بنار هذه الأنظمة على شيء من التفاوت في الفترات الزمنية ومستوى المعاناة من دولة لأخرى. كارثة حقيقية بحق الأوطان والأجيال أن يذهب أي من هؤلاء لتأييد الانقلاب العسكري في مصر لمجرد أنه لا يحب الإخوان، أو لأنه يحقد عليهم بسبب التعبئة القديمة من تلك الأنظمة السابقة التي كانت على عداء مع الإسلاميين، أو من أيام الحرب القديمة بين حزبه والإسلاميين، أو التعبئة التي لا تزال مستمرة من قبل أنظمة الدول الكبرى والصغرى. الهدف المشترك الذي يفترض أنه يجمع الآن كلا من الإسلاميين وكثيرا من الأطراف الأخرى وفي مقدمتهم يسار الربيع العربي هو الديمقراطية واستئصال تلك الدكتاتوريات المتخلفة وإقامة الدولة المدنية الحديثة.. وليس من السياسة أو المنطق أن يقوم أي طرف بتجاوز منطق الهدف والمصلحة المشتركة ثم ينطلق في مواقفه من خصومات سابقة يفترض أنها انتهت، أو لم تعد -على الأقل- ذات معنى في الوقت الحاضر. هل كان الانقلاب العسكري في مصر يهدف –فقط- إلى إسقاط مرسي والإخوان ثم تنظيم انتخابات ديمقراطية يفوز فيها الإخوان من جديد!؟ بالتأكيد لا، وإلا لما كان للانقلاب معنى، وإذن: لماذا المغامرة بهذا الانقلاب وتحمل تبعاته لولا أن الهدف هو إسقاط مرسي والإخوان أولا، ثم الالتفاف على الديمقراطية والانتخابات حتى لا يسمح لهم بالفوز مجددا..!؟ وطالما أنهم سيلتفون على الديمقراطية للحيلولة دون صعود الإخوان مجددا، فمن المؤكد أن هذا الإجراء سينسحب على جميع الأطراف، لأن الصندوق واحد والنظام الانتخابي واحد، وبالتالي: لن يكون هناك مجال لفوز أي طرف من الأطراف المنادية بالدولة المدنية الحديثة، إسلاميين أو علمانيين، فالجميع في هذا سواء باستثناء الطرف الوحيد المستفيد من الانقلاب. يشعر هذا الطرف المستفيد من الانقلاب أنه محتاج لليسار بجانبه في الوقت الحالي ريثما يتجاوز مشكلته مع الإخوان، وبمجرد أن ينتهي من هذه المرحلة –حسب ما يخطط له- سيتنكر لأولئك اليسار الذين تحالفوا معه من غير أي ضمانات أو حسابات اللهم إلا استجابة لعواطف مشحونة من الماضي، سواء كانت صحيحة ومبررة أو لا، ويترتب عليها شيء مستقبلي مفيد أو لا!! [email protected]