إن سلوك الأفراد والجماعات تجاه أي شأن هو فرع عن تصور مسبق لذلك السلوك، أي أن الفكر ينتج سلوكا، وحين يكون التصور سليما فإنه ينتج سلوكا سويا والعكس صحيح حين يكون الفكر مريضا، والتصور أعوجا فإنه ينتج سلوكا ضارا، وتكون المنافع والأضرار وفقا لحجم موقع الشخص أو الجماعة ومدى التأثير. رئاسة الجمهورية إن رئاسة الجمهورية لها اختصاصات ولديها صلاحيات لممارسة الاختصاصات وفي هذه المرحلة التاريخية التي يمكن وصفها بمرحلة تأسيسية يلعب فيها رئيس الجمهورية وفقا للاختصاصات والصلاحيات دورا محوريا، وتقع على عاتقه مسئولية أخلاقية وقانونية في التأسيس لمستقبل حسن مزدهر، أو مستقبل مظلم، وشر مستطير وفي وسعه أن يختار، ويقرر أن يكون رئيسا للجمهورية اليمنية من سقطرى إلى صعدة أو يكون واحد من مراكز القوى التي تسعى لاستغلال مواقعها في السلطة لتحقيق مصالح خاصة بها والقوى التي ترتكز عليها. قراءة في خطاب وسلوك الرئيس في خطابه بمناسبة ثورة 26 سبتمبر ومناسبة 14 أكتوبر نستطيع القول أنه خطاب بمستوى المناسبة، ودليل على أن الرئيس لا ينقصه الوعي بأهمية الوطن اليمني والنظام الجمهوري ووحدة الدولة اليمنية وفي معظم خطاباته نجد قدرا من الإدراك للحالة اليمنية وأمراضها. رئيسا للجمهورية اليمنية إن الرئيس مطالب بالنظر عقلا ووجدانا إلى اليمن، وليس بوصفه أحد مراكز القوى، ذلك أن كثيرا من القرارات والتعيينات في مواقع عسكرية وأمنية واقتصادية، بدت كأنها صادرة عن مراكز القوى وليس عن رئيس للجمهورية، وبدى الرئيس كأنه طرف في خلافات ومشكلات وليس رئيسا لكل اليمنيين، ولكل البلاد اليمنية. إرساء تقاليد فاسدة إن التقاليد الفاسدة التي أنتجتها الإمامة ورسخها وعمقها الرئيس المخلوع، وكان النظام الجمهوري قد بدأ في التعافي منها ورسخها الحزب الاشتراكي قبل وبعد أحداث يناير 1986م من بروز المناطقية والمذهبية التي حولها المخلوع بعد قيام الجمهورية اليمنية إلى أسرية عائلية حسبت على سنحان مع أنها ضاقت إلى أن أوصلها إلى القرية، والأسرة، هذه التقاليد تتمثل في: - أن الرئيس من مراكز القوى، غير أنه من موقعه واستغلال رئاسة الجمهورية هو أقوى المراكز ومن ثم فإن مراكز القوى الأخرى تتصارع وتتنافس على الولاء لشخص صالح وإرضائه مقابل الحصول على مصالح كلها على حساب المصالح العامة للبلاد، وإشاعة الفساد حتى غدى هو الأصل. لقد رسخ مواصفات سلبية قاتلة وسلخ كلي للإنسان فهي قائمة على: الولاء لا الأداء: الولاء لشخصه بصرف النظر عن الأداء بل إنه مع مرور الزمن أصبح الأداء الفاسد شرطا، ومخالفة القوانين والنظم من مؤهلات الترقية. الثقة لا الكفاءة: وذلك اقتضى تقريب وتعيين أهل الثقة واستبعاد وإقصاء الكفاءات، بل أصبحت الكفاءة من مصادر الخطر المهددة لشخص صالح وأسرته. الفساد لا النزاهة: النزاهة أصبحت جسما غريبا غير مقبول ومن ثم لا يمكن التعايش معها. الولاءات الخاصة وإضعاف بل تدمير الولاء العام للدولة اليمنية، وتسبب ذلك في قيام جماعات معادية للدولة وتبني مشاريع خاصة. لا ينبغي للرئيس الانتقالي الذي جاء في مرحلة التأسيس لدولة جديدة أن يمارس السلوك نفسه، إن المرحلة التي جاء فيها أعقبت ثورة شبابية شعبية سلمية، وقدم فيها الشعب شهداء وجرحى ومعتقلين ومفقودين، ولا زالت البلاد تنزف. شروط العبور الآمن: إن العبور الآمن مسئولية الرئيس والحكومة، وهو يستلزم عدة شروط: 1- التغلب على قوة العادة إن كثيرا من السياسيين ينسون أو يتجاهلون متطلبات اختصاصاتهم ومواقعهم، ويتصرفون تحت ضغط قوة العادة، ولقد ظهر جليا أن الرئيس الانتقالي لم يستطع التجرد من الماضي والمتمثل في صراع الزمرة والطغمة ووجوده كنائب للرئيس. 2- الخضوع لمعايير ومواصفات موضوعية إن بناء الدول والتقدم بالبلدان يقوم على مبدأ كلي عام إنه لا أحد فوق القانون، ومعنى ذلك أن الجميع يخضعون لمعايير ومواصفات موضوعية، وليس الأمزجة الشخصية والانطباعات، والقناعات الخاصة، وذلك يقتضي من الرئيس: - أن يكون لديه معايير ومواصفات وآليات لتعيين الأشخاص في المواقع المختلفة وأن تشمل المعايير والمواصفات: الجوانب المهنية والاحتراف والمواطنة، والمنافسة العادلة القائمة على تكافؤ الفرص وعدم استبعاد منطقة أو أسرة أو عشيرة أو قبيلة أو حزب أو فئة، وأن تكون هناك آلية مؤسسية للتعيين، بمعنى أكثر تحديدا الأصل أن يكون لدى الرئاسة هيئة لديها معلومات وافية عن الأشخاص، الذين يتم تعيينهم بقرارات جمهورية أو قرارات رئاسية، وأن تجري معهم مقابلات، ويكون لديها استمارات تحديد مستوى ومن ثم التجرد الكامل عن التحيز مع أو ضد، ومناهضة التمييز، ويكون التعيين بناء على الأجدر والأكثر كفاءة ونزاهة حتى إذا تساوى شخصان فيتم الترجيح بالقرعة. - عقد دورات تثقيفية للذين يتم ترشحهم لمواقع معينة وأن يدركوا المفاهيم الأساسية المتصلة بمهنهم، وأهمها الولاء العام للدولة اليمنية، واستبعاد كل الولاءات الخاصة. إن ذلك سيكون له آثارا وانعكاسات إيجابية، على الجميع وعلى أدائهم، مع إعلامهم بوجود رقابة صارمة عادلة وتقويم أداء مستمر. - وجود آليات للرقابة الصارمة والعادلة وتقويم الأداء مع وجود معايير للأداء الناجح ومعايير للترقي وأخرى للعقوبات. الحالة الأمنية لا ريب أنه وبصرف النظر عن وجود قوى معادية للبلاد تمارس سلوكا عدوانيا، من اغتيالات وقطع للطرق وتخريب للمنشآت فإن رئيس الجمهورية، والحكومة تقع عليهم مسئولية كاملة في حماية البلاد وحماية مواطنيها والمحافظة على الأمن والسلم. ما يجري الآن استنزاف للدولة وإضعاف لها أمام قوى تسعى لتقويضها، وإقامة كيانات خاصة وتحويل البلد إلى حالة الصوملة. إن الرئيس ورئيس الحكومة ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية والأمن السياسي والأمن القومي تقع عليهم مسئولية مباشرة عن حماية المواطنين، وحماية القادة العسكريين والأمنيين في صعدة. صعدة إن الدولة من أولى وظائفها الحماية، والحماية تعني الحيلولة دون وقوع عدوان خارجي وصده إن وقع، والمحافظة على الأمن والسلم الداخليين ومنع المواطنين من العدوان على بعضهم، والحقيقة أن سلطة 21 فبراير تتعامل مع الحالة في صعدة كما لو أنها خارج الجمهورية اليمنية. يمكن النظر إلى ما يجري في صعدة وموقف السلطة -رئاسة وحكومة- منه على أنه ليس متهاونا فحسب بل متواطئ على السعي للتمكين للمجموعات المسلحة وخاصة الحوثيين، ومنذ البداية كان من الممكن تخيير الحوثيين بين الحوار أو السلاح وليس الجمع بينهما، لقد كانت في دعوتهم إلى الحوار دون وضع السلاح قوة معنوية هائلة أعطتهم غطاء ومكنهم ذلك من التواصل مع جميع القوى في الداخل والخارج، لقد كان على السلطة الاستفادة من التوصيف القانوني للحالة الحوثية لدى مجلس الأمن الدولي، ولدى الدول الغربية التي تصف هذه الحالة بمجموعات متمردة غير قانونية، أي ليست حزبا سياسيا مدنيا ولا منظمة مجتمع مدني، وهي فوق ذلك تحمل السلاح، ولو كانت حزبا أو منظمة مجتمعية وتحمل السلاح فإن الصفة القانونية تنزع عنها. وفي الحالة الأخيرة في حرب دماج، فإن واجب السلطة التدخل بحزم وما لديها من قوة لفض الاشتباك، وإنزال الحوثيين على الشروط التي تمكن الدولة من بسط سلطتها وسيادتها على الأرض وليس القيام بدور الوساطة، إن الوساطة من قبل الرئاسة قتل عملي ومعنوي للدولة ووجودها، فإن كانت لحسابات خاصة ومراكز قوى فإنها خيانة عظمى، وإن كانت لعجز وفشل فإن الأولى بالسلطة أن تعتذر للشعب، وأن تكاشفه، وإذا كان عليها أن ترحل فلترحل لكن السلطة ذاتها تتكئ على كونها في وضع استثنائي، غير أن ذلك لا يعفيها من المسئولية الأخلاقية والقانونية. المغتربين والمملكة حين تغفل السلطة عن أسس العلاقات بين الدول، وأنها قائمة على التكافؤ والندية فإن سلوكها يكون سلوك الشعور بالدونية، والنقص ومن ثم تنتهي عن الحديث بطريقة صريحة مع الحكومات. كان المتوقع والمنتظر من الرئيس والحكومة القيام بإجراءات وتدابير وقائية: قيام خلية أزمة من المعنيين والخبراء والمتخصصين، ومن ثم العمل المبكر على إقناع حكومة المملكة بتأجيل أو استثناء اليمنيين من الإجراءات المؤدية إلى الترحيل على أساس إتاحة الفرصة لإيجاد حلول بديلة، لأن المملكة معنية بالحالة اليمنية الهشة ومن رعاة المبادرة الخليجية أي أن عليها التزامات تجاه الجمهورية اليمنية ومن ثم فإن من واجبها المساعدة على إيجاد الحلول بدلا من زيادة المشكلات وتعقيدها. وإذا فشلت الحكومة في إقناع حكومة المملكة فإن عليها التوجه لأصحاب القرار الفعليين في الإدارة الأمريكية وربما كان إقناعهم أسهل، وإذا اقتنعوا فإن ذلك سينعكس على حكومة الرياض وستكون جادة بالفعل في مساعدة الحكومة اليمنية في البحث عن حلول، واتخاذ قرار أو تأجيل الإجراءات بشأن المغتربين اليمنيين، لكن من الواضح أن هذه القضايا ليست واردة في أذهان المسئولين من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء المعنيين. وإذا فشلت السلطة في إقناع الحكومة السعودية والأمريكان فإن عليها أن تأخذ بعين الاعتبار المعطيات التالية: - إن المملكة تعد اليمن عدوا أكبر وتتعامل على هذا الأساس وهي تخشى من أي استقرار قد يؤدي إلى الازدهار. - إن المملكة لا تتمتع بمؤسسات تقرأ قراءة استراتيجية وإلا كان سلوكها مختلف بمعنى لو كان في المملكة حكومة مستقلة تنظر بموضوعية لأدركت أن متطلبات أمنها القومي تفرض عليها علاقات أخوة حميمية مع الجمهورية اليمنية ومعاملة خاصة لليمنيين، ولساهم ذلك بإنعاش الاقتصاد في اليمن عبر استثمارات تخلق فرص عمل، وتخفف من البطالة، ثم إن ازدهار اليمن يعطي المملكة مجال أوسع فهي سوق لا يستهان بها. إنها لا تعمل أي حسابات بل تمارس انطباعات ومقولات أقرب إلى الشعوذة وهو ما يجعل سلوكها مؤد بالضرورة إلى عملية تراكم العداء لها في صفوف اليمنيين، ومن ثم التربص بها وتحين الفرص للإضرار بها، والواقع أن لدى اليمن الكثير من الخيارات لو أرادت. خلاصة القول أن السلطة تبدو مفككة غير منسجمة لا تتحمل المسئولية كما يجب، والملفات الدامية مفتوحة والفشل في معالجاتها هو الظاهر، هل نطمع في وقوف اللقاء المشترك أمام الحالة، أم أنه هو الآخر لم يعد كيانا؟ وهل تتحمل هذه القيادات المسئولية وتقف وقفة جادة، ماذا يصنع هذا الشعب إذا؟ هل يكافأ الشعب اليمني بترك الثورة المضادة تعمل بكل الوسائل، والتمكين لمجموعات متمردة تسعى لاستعباده، ومجموعات أخرى تسعى لتفكيك البلاد، إضافة لحكومة جارة في حالة من التبعية وتعمل ضد الأمة من البوسنة إلى إندونيسيا؟