كشفت الاستقالة النادرة لوزير الإدارة المحلية في اليمن عبد القادر علي هلال السبت "سوأة" حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن، إثر إماطتها اللثام عن صراع ساخن بين "الأجنحة" المتصارعة داخل أروقة الحزب الحاكم على تثبيت مواقعها والتنافس على نصيب أكبر من كعكة السيطرة على الحزب الخليط من تيارات سياسية متعددة. ووفقا للعديد من المصادر وقع هلال من على سدة الوزارة كضحية لصراع الأجنحة داخل الحزب، التي تغلّب فيها جناح الصقور ذو الطابع الأمني على جناح الحمائم ذي الجانب السياسي وهو ما لم ينكشف من قبل، أو يتجرأ أحد على الإباحة به، غير أن التمادي والمبالغة في إيذاء هلال أجبرته على ما يبدو على الاستقالة بعد أن طفح الكيل. وأخذت استقالة هلال الكثير من الاهتمام والعديد من ردود الأفعال في الوسط السياسي اليمني، خاصة وأنه يعد من أنشط وأكفأ الوزراء في الحكومة الحالية وكان حقق نجاحا مشهودا في إدارته لمحافظتي حضرموت وإب خلال توليه منصب المحافظ فيهما خلال الفترة السابقة لوصوله إلى كرسي الوزارة. وعبّر العديد من المراقبين عن خيبة أملهم في تحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية باليمن في ظل التوجهات الحالية للحزب الحاكم، الذي كشفت هذه القضية مدى عجزه عن احتواء أزماته الداخلية ناهيك عن الأزمات الكبيرة التي تواجه البلد. وأشاروا إلى أن "الحزب الحاكم أصبح لا يلتفت إلى أصحاب النزاهة والجادين والمخلصين في العمل من قياداته، بقدر ما ينظر إلى أصحاب الولاء والمنافقين والمتزلفين على الرغم من طغيانهم في الفساد وسرقات المال العام". وأوضحت أنه نتيجة لتكرار التعبئة السياسية غير البريئة والتقارير الاستخباراتية التي لا تخلو من "سخافة"، ضد وزير الإدارة المحلية، اضطر لتقديم استقالته حفاظا على "كرامته" حسب تعبيره، على الرغم من توقيتها الذي جاء في وقت يمر فيه البلد بأزمة سياسية غير عادية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في نيسان (إبريل) القادم. وجاءت استقالة هلال من منصب وزير الإدارة المحلية إثر تقارير استخباراتية شككت بولائه للسلطة ولتوجهاتها السياسية والتي أفضت إلى إحالته للتحقيق، غير أنه استبق ذلك بتقديم استقالته، خاصة وأنه رأى أن التهم أو "الوشايات الاستخباراتية" "رخيصة وتافهة". وأوضحت رسالة الاستقالة التي قدمها هلال للرئيس علي عبد الله صالح أنه "وحتى يسعد أولئك المنافقون الذين ظلوا يدفّعوني ثمن ثقتكم الغالية في كل موقف وفي كل لجنة كنت أعمل فيها، وأجتهد بأسلوبي كي أصل إلى النتيجة الوطنية التي ترضي الله ثم ترضيكم... ولما قام به المدير العام للاستخبارات ومن وراءه من القوى المستفيدة والفاسدة من تحقيقات ما يسمى ب"بنت الصحن والحوثي'، الخبر الدس والرخيص السخيف ولأن الكيل طفح، أجد نفسي مضطرا لتقديم استقالتي من عملي كوزير للإدارة المحلية وسأظل مواطنا مخلصا ما حييت". كلمات الاستقالة تحمل في طياتها الكثير من المرارة، جعلت من ترك المنصب أهون على الرجل من تحمل عذابات البقاء فيه، كما كشفت مدى "تفاهة" التقارير الاستخباراتية التي اتهمته بإهداء طبق حلوى تقليدي يسمى 'بنت الصحن' للقائد الميداني للحوثيين في محافظة صعدة عبد الملك الحوثي، نهاية رمضان (أيلول/ سبتمبر) الماضي، أثناء تزعمه للحوار الحكومي مع الحوثيين كرئيس للجنة الحكومية المكلفة إعادة اعمار ما دمرته الحرب في صعدة بين الجانبين الحكومي والحوثيين. وفي الوقت الذي أوضح فيه العديد من ملابسات الإطاحة بالوزير هلال، اعتبر رئيس تحرير أسبوعية "الأهالي" المستقلة علي الجرادي أن الأدوات السياسية الحالية في اليمن لا تقبل القسمة على اثنين، وقال إن "جوهر الصراع السياسي القائم اليوم سواء داخل المؤتمر الشعبي العام أم داخل البيت الحاكم يقوم على استراتيجية التفرد النهائي بالقرار السياسي والعسكري والمالي والوصول إلى مربع يكون فيه الحاكم الأوحد والنهائي شخصا واحدا، وأن ترتيب أوضاع المستقبل يقتضي اليوم الإطاحة بدائرة المنافسين المحتملين حاضراً ومستقبلاً". وأضاف "هناك تضييق مورس على كل القوى الصاعدة وإن كانت حليفة لأنها قد تمثل خطراً في أي لحظة بالتحالف مع الآخر، فتم التخلص من عبد القادر باجمال من رئاسة الحكومة بعد مؤشرات بداية تسهيل مهمة الرأسمال الحضرمي في مفاصل اقتصادية وتم التخلص من النفوذ العسكري للمقربين من ذات النطاق الجغرافي كبيت القاضي وبيت الضنين وأيضاً مضايقة أولئك الذين يحظون بوزن جغرافي أو علاقات خارجية معتبرة وعلاقات توازن مع الأطراف الداخلية كما هو الحال مع الشيخ محمد أبو لحوم ولا زلنا نذكر الحادثة الشهيرة بالتوجيه بالتحقيق معه بتهمة التواصل مع المعارضة". وذكر الكاتب السياسي رداد السلامي أن "عبد القادر هلال وزير محترم ووطني من طراز رفيع ورجل دولة يتمتع بالكفاءة والنزاهة والقدرة على إدارة ما يوكل إليه بفاعلية وإذا كان قد واجه إعاقات فهي ليست إعاقات منشأها عجز لديه ، بل إعاقات مقصودة و'تفنيش' متعمد من قبل السلطة التي ترى في الانجاز الايجابي فعلا مضادا لقوتها وهيمنتها وبالتالي فإن السعي لتصفية شخصيات تحظى برصيد وافر من الاحترام والتقدير هي عملية فرز مرتبكة وغير قادرة على إدراك أنها تسير نحو اتجاه التلاشي التام". صحيفة العربي: خالد الحمادي*