عندما تتغلب المصلحة الوطنية على الرغبات والمصالح الذاتية والحزبية الضيقة ينجح الحوار ويصبح حواراً بناءً ينتج عنه ما فيه مصلحة البلاد والعباد من أمن واستقرار في كافة جوانب الحياة.. وذلك ماحدث في حوار الاحزاب المعارضة وبالذات احزاب اللقاء المشترك مع الحزب الحاكم حزب المؤتمر الشعبي العام، حيث خرج المتحاورون بنقاط اتفقوا عليها تخدم المسيرة الديمقراطية وتخدم اجراء انتخابات صحيحة يمارس فيها الشعب وكل الاحزاب في الساحة اليمنية الاستحقاق الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية والمحلية في جو من الثقة وروح المسئولية. جاء هذا الحوار ليعبر عن حكمة وحرص على مصلحة الوطن وعلى مكتسباته الديمقراطية بعد مكايدات ومماحكات لم تكن لتخدم أحداً أبداً، بل إن خطرها أعم وأشمل وأكبر وربما كان يوصل الجميع إلى ماقبل حرب صيف 1994م التي لولا لطف الله وعنايته لعدنا ألف خطوة إلى الوراء ولعدنا ممزقين نبكي على أطلال الوحدة التي كادت تصبح من الماضي.. لأن الحوار الذي كان يتم في ذلك الوقت كان أشبه بحوار الطرشان كل طرف لا يريد سماع الآخر وإذا سمعه فلا يريد الاقتناع بطرحاته وبمصداقيته.. لقد كانت طروحات أحد الاطراف غير معقولة وغير مقبولة.. لأن تلك الطروحات كانت تريد العودة بنا إلى ماقبل 22مايو 1990م، وهذا شيء مستحيل دونه وقطع الرقاب.. فأوصلنا ذلك الحوار العقيم إلى مالاتحمد عقباه إلى حرب بين أبناء البلد الواحد والأرض الواحدة حتى ظهر الوجه الحقيقي والبعد الحقيقي لذلك الحوار المأزوم باعلان الانفصال وقانا الله منه. ولهذا نقول إن النتائج التي توصل إليها المتحاورون أخيراً أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي هي تحصيل عملي للحرص على المسار الديمقراطي واحتكام للدستور وتغليب للمصلحة الوطنية وحرص على وحدة الوطن وأمنه واستقراره. أتمنى وغيري كثيرون أن يكون ذلك هو بداية صحيحة لمسار صحيح في التعامل بين السلطة والمعارضة. وأيضاً فقد جاء الحوار البناء أخيراً وما تم التوصل فيه من نتائج يرضى عنها الجميع كرد عملي وحازم وقاس على تلك الدعوات الانفصالية والطروحات الاستقوائية بالخارج التي ينعق بها مرضى العقول والنفوس في الداخل والخارج.. تلك الطروحات التي لا ولن تصدر إلا من جماعات وأفراد نبذها الشعب وفقدت مصالحها وتربت ونمت على العمالة وخيانة الأوطان.. وللأسف ذلك ديدن جميع المعارضات العربية العميلة، فهي لا تتورع عن التآمر على أوطانها وبيع نفسها للشيطان تحقيقاً لاغراضها الدنيئة. ولا أظن أن أحزابنا أو أغلبها فيها من يرضون الاستقواء بالأجنبي ضد سلطة البلاد حتى ولو اختلفوا معها، فالاختلاف رحمة.. لأن الجميع في بلادنا أفراداً وجماعات وأحزاباً يعون مخاطر الاستقواء بالخارج ويدركون عواقبه ومآسيه.. فلهم عبرة وأسوة سيئة في ماحدث ويحدث الآن في افغانستانوالعراق وفي كثير من بقاع العالم.. فالأجنبي لا ولن يأتي لأجل سواد عيون من طلبوه أو أتوا به، وإنما سيأتي لمصالحة ولبسط هيمنته ونهب خيرات البلاد والعباد، ولا يهمه إزاء ذلك صلحت البلاد أو خربت ولن يهمه أوجدت ديمقراطية أم ديكتاتورية، فالمهم مصالحه أولاً وأخيراً. وما يحدث في العراق خير شاهد ودليل، فلم يحدث هناك إلا الدمار والخراب والقتل والتعذيب والفرقة والتمزق وانتعاش الفرقة الطائفية والمذهبية والدينية بين أبناء الوطن الواحد بدلاً عن الحرية والتحرير وعن الديمقراطية وحرية الرأي، حيث لاديمقراطية إلا للمحتل الأمريكي وأعوانه الذين جاءوا تحت فوهات المدافع وأجنحة الطائرات ونعال «المارينز» ولاحرية إلا لهؤلاء وما عداهم فهم إرهابيون يسحقون ويقتلون دونما رحمة تحت سمع وبصر العالم كله بمنظماته وهيئاته. ومن ينعق ويطالب بتدخل الاجنبي في بلادنا يدرك العواقب، ولكن مع ذلك لا يرى إلا مصلحته وما سيناله من المحتل الغاصب من فتات وبقايا فضلاته.. ظانين أولئك الناعقين أنهم سيحكمون في ظل اسيادهم الذين سيأتون بهم أويتوهمون أنهم سيأتون ،ولايدركون أنهم سيكونون مجرد دمى تحركها أيادي الدخيل بما يرضي مصالحه وخططه وتوجهاته، ولكن عندما يغيب الله العقول ويعمي الأبصار تضيع الحكمة ويفقد الناس أوبعض الناس صوابهم فيقعون في شر أعمالهم. فطوبا لمن يقدم مصلحة الوطن فوق مصلحته، وطوبا لمن يحرص على وحدة البلاد والعباد، وطوبا لمن يعرف كيفية المعارضة الصحيحة والحقيقية ويعرف كيف يحاور وكيف يستطيع اقناع الآخرين بالمنطق والحقائق والاعمال الصالحات. ومزيد من الحوار المتواصل بين السلطة والمعارضة الوطنية، ذلك الحوار الذي تجسد فيه مصلحة البلد وأمنه واستقراره ووحدته ومكاسبه الوطنية من تعددية سياسية وديمقراطية وتنمية.. أما حوار الطرشان والمزايدين فلا حاجة لنا به وفيه.. فنحن نريد حوار الشجعان لاحوار الطرشان.. وحوار الشرفاء لاحوار الخونة والعملاء