إنها تحمل هدية استثنائية هذه المرة، مجموعة من القنابل الذكية تخرج من الحدود الأمريكية لأول مرة في زيارة انتحارية إلى اسرائىل.. تحمل كونداليزا رايس في كل زيارة شرق أوسطية مع مخاطر هذه التسمية مجموعة من المفاهيم السياسية الجديدة والمطالب المتعددة للدول التي تزورها بما يصب في مصلحة أمريكا اسرائىل، وفي هذه الزيارة لن تتحدث عن وقف إطلاق نار لأن ذلك ليس هدفها، ولن تبحث عن فرصة حل سلمي بين اسرائىل وحزب الله لأن ذلك يتعارض مع الاستراتيجية المشتركة لأمريكا واسرائيل تجاه الحزب صاحب الخطورة القديمة في القائمة الأمريكية السوداء للمنظمات الإرهابية. وباختصار هذه الزيارة مبنية على وجود مثل هذه الحرب غير المتوازنة بين طرفين أحدهما اسرائىل، وأقصد بكلمة «مبنية» أنها مستفيدة من هذه الأحداث كتكتيك مرحلي للوصول إلى هدف استراتيجي يتمثل في إعلان الشرق الأوسط الجديد ورسم ملامحه الأولية بعدما أصبح مصطلح الشرق الأوسط الكبير ملوثاً بدماء العراق.. حيث كان قائماً على الإصلاح السياسي الذي ستقدم نموذجاً مثالياً له في العراق وهو ما لم تستطع تحقيقه. الشرق الأوسط الجديد يقوم بحسب شيمون بيريز على ثلاثة محاور رئيسية تمثل المعادلة التالية: عقل اسرائىل + الأيدي العاملة المصرية + بترول الخليج = الشرق الأوسط الجديد لتحقيق هذه المعادلة لا بد من القضاء على الحركات المناوئة أو حركات المقاومة الموجودة بشكل أساسي في حزب الله وحركة حماس. إذن اسرائيل الآن تقوم بهذا الدور التمهيدي للقضاء على الحركات المقاومة وأمريكا تشكل الضغط السياسي الذي تقوده كونداليزا مطعماً هذه المرة بالقنابل الذكية عسكرياً بل ومطعماً باليورانيوم الإيراني بالإيحاء للأنظمة العربية التي تعتبر إيران خطراً عليها بما يتحمله إيران من توجه توسعي ويحصده من شعبية بدعمه لحزب الله لا تتوقف على الشارع الشيعي بل تداهم الجماهير السنية المناصرة لحزب الله، وبالتالي فعدم القضاء على حزب الله يعد انتصاراً لإيران وحدها بعد خلق مواقف سنية ومواقف شيعية مسبقة.. هذا الحديث الذي ستجريه كونداليزا يشكل كفناً مثالياً للشهداء العرب في فلسطينولبنان، وقبراً مشرعاً أبوابه لكل ما بقي قائماً من المشروع القومي العربي الذي لم يعد يتعدى بعض المشاعر الإنسانية تجاه الضحايا. دول الطوق أو الاطراف أو الخاصرة كلها دول عربية لا يليق بها أن يتلاسن وزراء خارجيتها في مؤتمر عقد لصالح قضية مركزية وليس لإبراز مواهب الهزيمة المسبقة على المستوى الفردي. إن وزراء خارجية المانياوأمريكا وفرنسا وبريطانيا مع سولانا وانان الراحل القبيح عن الأممالمتحدة بعد ستة أشهر كلهم لعبوا أدواراً سياسية بما يخدم مصالحهم، وإن كانت تدمر مصالحنا ووجودنا فهي عمل سياسي واضح وأكثر شفافية من أية أزمة سابقة، يجب على اسرائىل تدمير حزب الله بكل بساطة، فعلى ماذا نعول نحن، وماذا جنت السياسية الخارجية لاثنين وعشرين وزيراً عربياً فاشلاً تجاه القضية العربية المركزية، لأن تدمير حزب الله أو لبنان رقم من 22رقماً لاحقاً. ألا يشكل عقد مؤتمر صحفي بين وزير خارجية بريطانيا مع السيد صائب عريقات عضو المجلس التشريعي الفلسطيني إهانة لصائب عريقات ذاته، لأن عدم اعتراف الضيف البريطاني بحماس وحكومتها شيء يخص السياسة البريطانية وأهدافها التي نعرفها جميعاً، ولكن هذا العريقات ألم يعترف بحكومة حماس حتى يأخذ مكان وزير خارجيتها، وليته قال شيئاً مفيداً مع أن الفلسطينيين أكثر من يعرف اللعبة، ولكن لا وقت لديهم للعبها.. إنه الموت. الشرق الأوسط الجديد بدأ يتشكل.. هكذا تعلن السيدة رايس بكل ثقة قبل قدومها إلى المنطقة ليس لمفاوضة العرب بل لإشعارهم بطريقة موتهم المريحة.. المريحة حتماً وإلا فالقنابل الذكية مع عقل اسرائىل وتقنياتها كفيلة بأعمال غير مريحة كما هي الآن، إنها هدية القرن لوحيد القرن الذي نطح العالم وبطح وذبح. العقل الاسرائيلي وتقنياته الحديثة سيحقق الشيء الكثير لو أتيح له الاستخدام الأمثل للأيدي العاملة المصرية المدربة والكثيرة في إدارة مشاريعه الممولة من البترول الخليجي الذي سيوجه عائداته مستقبلاً لصالح الشرق الأوسط الجديد. ما سبق ليس أمنية اسرائىلية، إنه مشروع قيد التنفيذ ونحن أدواته الفاعلة مع أننا لا نصدق ما نعلم، ونعمل ما لا نعلم.. ياجماعة كلام كونداليزا كلام رجال وبعدها «22» غراماً من المحيط إلى الخليج أو العكس، بغض النظر عن تصريحات نجاد بحزم حقائب اسرائيل.. نحن حقائبها ودواليبها الأنيقة. خطاب نجاد ليس أكثر من أطنان جديدة من المتفجرات ستسقط فوق لبنان.