لست من هواة متابعة البرامج التي تعرضها قنواتنا الفضائية العربية ،وربما فضلت تخصيص فترات كبيرة من وقتي لمتابعة أخبار السياسة المحلية والدولية وسماع البرامج عبر المذياع أو الراديو لأنه يتيح لي متابعة أداء مالدي من مهام وواجبات دون الحاجة إلى متابعة الصور التي تعرضها البرامج المتلفزة ،والتي تغري أكثر بمشاهدة الحدث عبر الصورة.. وقد زادت قناعتي تلك بسبب العدد الهائل والانفجار الكبير في عدد القنوات الفضائية التي يمكن التقاطها عبر أجهزة الالتقاط الرقمي«Receivers» وهو الأمر الذي قد يزيد من حيرة المرء ويجعله يقضي معظم وقته في ملاحقة جديد البرامج ومتابعة الأفلام والمنوعات والأغاني. وقد يحتار المرء منا في تحديد خارطة البرامج التي يمكن له متابعتها والتي ترضي كل الاذواق وجميع الرغبات ،وتغذي المشترك من الامور خاصة إن رغب في مشاهدتها ومعه كل أفراد أسرته صغاراً وكباراً ،أو إن كان مرتبطاً بجدول أعمال مزدحم يأخذ منه جل وقته ،ومعظم ساعات يومه ،وعلى الرغم من أن معظم القنوات تعيد بث معظم برامجها في ساعات مختلفة وبحسب التوقيت العالمي الذي يتيح لكل مشاهد تدارك مافاته من تلك البرامج فإن أغلب البرامج التي تبثها قنواتنا الفضائية هي عبارة عن أفلام أومسلسلات أو برامج ترفيهية مكررة ونسخاً مشوهة لبرامج أمريكية وغربية لاتراعي الفروق بين المجتمعات ،ولا اختلاف القيم والاخلاق التي يؤمن بها كل فرد ،أوتفاوت الاذواق من فردٍ إلى آخر ومايتبقى من حيز زمني للبرامج التثقيفية أوالتعليمية أوالبرامج التي تلامس قضايانا الوطنية والاجتماعية أوالتي تعالج مشاكل مجتمعنا العربي العديدة لايفي بالغرض الذي خصص له زمنياً ولاموضوعياً. ولعل المتابع للعديد من البرامج والافلام الجديدة ،والتي تتسابق قنواتنا الفضائية على بثها حصرياً«Exclusive» يلحظ أن العديد من تلك الافلام والبرامج تغذي العديد من الانحرافات السلوكية والخلقية وتشجع الانحلال القيمي في أوساط الشباب والمراهقين ،وأيضاً الاطفال في مجتمعاتنا العربية والاسلامية ،والأخطر من ذلك أنها أو أكثرها وربما بقصد منها أو دون قصدٍ أو وعي تغذي ثقافة العنف غير المبرر ،وتعمق مفاهيم التمرد لديهم بدلاً من أن تقضي على تلك المشاعر وبدلاً من أن تعالج تلك الظواهر ،وتضع الحلول لها أو تحذر المجتمع من مخاطرها. ولعل البعض منا وهو يتذكر موضة المسلسلات التي ركزت على ظاهرة«الارهاب الاصولي» التي شهدتها بعض مجتمعاتنا العربية ،وأفلام الاكشن«The Action Movies» التي ظلت العديد من القنوات الفضائية العربية تبثها طيلة شهر رمضان المبارك ،قد يخرج بانطباع وحيد وهو أن العديد من تلك المسلسلات كانت أعمالاً متسرعة ولم تكن نتيجة لمعالجات هادئة أو لدراسات علمية وأبحاث موضوعية تحدد أبعاد تلك الظاهرة وأسبابها وتبحث عن حلول واقعية للحد من تلك الظاهرة ،ولذا بدت معالجاتها لتلك الظاهرة منفصلة الجذور عن الواقع العربي المحلي ،وربما اعتقد البعض منا أن العمل برمته يتحدث عن مجتمعات غير مجتمعاتنا ،وعن جماعات لاتنتمي لها ،أو على الأقل أنها ليست نبتة طيبة نمت على أرضها وتغذت من خيراتها حتى إن ادعت انتماءها إلى نفس المعتقد والهوية الوطنية ،وأن تحدثت بلغة مفرداتها قريبة من مفردات لغتنا ،فأفعالها وتصرفاتها تجعلها غريبة أومغتربة عن أوطانها ،وأجنبية عن قيم مجتمعاتها. في مقابل تلك البرامج والافلام سيئة الأثر والذكر ،نجد العديد من البرامج التلفزيونية التي تتحفنا بها بعض قنواتنا الفضائية المحلية والعربية من حين لآخر ،والتي تعالج موضوعات في غاية الاهمية من جهة ثراء في الموضوعات التي تعالجها ،والأهم من ذلك اشراك مختلف فئات المجتمع في حوارات هادئة وهادفة للعديد من القضايا التي تعانيها العديد من مجتمعاتنا ،رغم اختلاف اللغة وتعدد الثقافات وتباين القيم والمعتقدات ،واتساع المسافات بين أقطار العالم الفسيح ،ومن هذه البرامج الرائعة ،البرنامج الذي تبثه قناة «إم.بي. سي الرابعة MBC4» للمذيعة الأمريكية من أصل جنوب أفريقي «أوبرا وينفري Oprah» وهو البرنامج الذي أحرص على متابعته أياً كانت ظروفي ومشاغلي. فطيلة الفترة الماضية كنت واحداً من المهتمين بتتبع البرنامج لما لمست فيه من ثراء في الموضوعات وتعدد في القضايا التي يتناولها وجرأة في الطرح وتنوع في اطراف الحوار.. وبالرغم من كون البرنامج امريكي الجنسية ،وأن العديد من الموضوعات التي يطرحها خاصة بالمجتمع الأمريكي ،وقد لاتكون لها صلة بمجتمعنا اليمني الذي يعرف مشاكل من نوعٍ آخر ،وكذا بالرغم من العديد من المؤاخذات التي يمكن تسجيلها على مذيعة البرنامج وعدم إطلاعها أو جهلها للعديد من القضايا التي تتعلق بأوضاع مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وانحيازها المبرر من وجهة نظرنا لسياسة بلدها «الكارثية» في العراق، وغيرها من النقاط التي قد تجعل البعض يتساءل عن الدافع وراء استمرار المتابعة للبرنامج ومبررات تخصيص حيز كبير من هذه السطور للحديث عنه. أقول بالرغم من كل تلك المؤاخذات، فإن البرنامج نجح في شد انظار المشاهد إليه بأسلوبه المتفرد في معالجة القضايا الكثيرة التي يعرفها المجتمع الأمريكي، واسلوبه في مناقشة الضيوف الذين ينتمون لمختلف الشرائح الاجتماعية، والأهم من كل ذلك نجاح البرنامج في التأثير على الرأي العام الأمريكي، ودفعه للتفاعل مع البرنامج في محاربة العديد من المظاهر السلبية التي يعاني منها المجتمع الأمريكي، مثلاً: مكافحة الشذوذ الجنسي والاعتداء على المراهقين، وملاحقة والقبض على المطلوبين الكبار عبر البلد، وغيرها، ولذا نقول ما أحوجنا إلى مثل هذه البرامج في مجتمعنا اليمني لنشر الوعي بأهمية تعاون المواطن مع السلطات المختصة في مكافحة المظاهر السلبية في المجتمع عبر الخطاب غير المباشر. وربما أن أكثر ما آثار إعجابي ودفعني لمتابعة البرنامج تخصيصه الحيز الأكبر لمناقشة العديد من القضايا المتعلقة بالجانب الإنساني، فهو يتحدث لغة يستطيع أن يفهمها جميع أفراد المجتمع الإنساني مهما تباينت اللغات والألفاظ، ويؤكد أن هناك لغة عالمية مشتركة بيننا جميعاً مضمون تلك اللغة لخصتها العبارة التي اخترتها عنواناً لهذه التناولة أي أن «عطاء الإنسان بلا حدود» ومن يعرف البرنامج ويتابع حلقاته التي تبث طيلة ايام الأسبوع قد يستغرب مقدار العطاء الذي يمكن للإنسان أن يمنحه لغيره من أفراد المجتمع بالرغم من اختلاف الأعراق والانتماءات الوطنية، ومقدار الرضا عن النفس الذي يشعر به الإنسان عندما يقدم تلك الخدمة أو المساعدة المادية والمعنوية. لا أخفيك عزيزي القارئ أنني في بعض الأحيان اتساءل إذا كان الإنسان قادراً على هذا القدر الكبير من العطاء والبذل والتضحية دون انتظار المقابل، وإذا كان يحس بهذا القدر من الرضا عن الذات حينما يكون في موضع المانح للآخرين، فما الذي يجعله يتدافع مع أخيه الإنسان، ويتقاتل معه على غرض من اغراض الحياة الفانية، أو حول مكسب زائل؟ لعله السؤال الذي لن نجد له إجابة أبداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!!. # أستاذ العلوم السياسية جامعة إب