أحسُّ بغيرة أن الجراد لم يصل بعد إلى يدي.. يقولون إنه قد وصل «ذمار» وفي تصريح آخر أن أعداداً منه في وادي «السحول».. ترى كم من الوقت ستستغرق هذه «الحشرة» حتى أراها «كما كنت صغيراً» وقد غطّت أسرابها كبد السماء، وامتدت بصورة كثيفة على الطرقات، وأحياناً أخرى تجدها وقد اصطدمت بوجوه البشر أو تعلقت على أكتافهم؟!.. لكم اشتقت إلى الجراد ونحن نركض صبياناً إلى حيث قيلولتها مع رواح الشمس أو غدوها لاصطيادها، وكأنني بذلك لا أتذكر «الجراد» فحسب وإنما أستعيد بها الطفولة وتفاصيلها وشقاوتها ومرارتها، حيث كان «الجراد» الأكلة الشهية التي لا تشبه خبز «الكدر» الذي كانت تخبزه والدتي مرة في الاسبوع ليكون زادنا طيلة أيامه. كان الجراد لا يأتي إلى قريتنا إلا مراراً.. وعندما تبدأ أسرابه في النزول إلى السهول والوديان والمرتفعات كانت طفولتنا تكبر، وخيالنا يسرح بنا إلى ابتداع كل فنون الصيد من ركض وكأننا في «مارثون» والاحتزام بكل المقتنيات من أقمشة قديمة نفصّلها خصيصاً وبعض الشوالات الفارغة وذلك لوضع أكبر كمية من الجراد في داخلها قبل أن نعود إلى منازلنا بعد يوم عمل شاق وقد أخذت أصابعنا تنزف دماً.. وهو يوم مثالي بكل ما تعنيه الكلمة وبخاصة بعد أن تقدم العائلة الجراد كوجبة استثنائية وشهية مطبوخاً ومسلوقاً ومشوياً، وبعضنا كان يدّخره بعد أن يشويه ويضعه في أكياس كبيرة لأيام الشدة!. لكم اشتقت إلى الجراد. نعم.. ولكنني ربما اشتقت إلى طفولتي!. تحية لأبناء تعز.. وحكيمها أيضاً في الأمس مزقت استهلالة لمقال لم استكمله تقول: كم أتمنى أن يكون اعتصام تعز الذي تنظمه أحزاب «المشترك» في هذه المحافظة حضارياً.. وبمنأى عن الفوضى والتخريب، أو عنواناً لحملة شعارات الهدم والوقاحة!!. وبالفعل فقد شدّني انتظام الاعتصام.. وشدّني أكثر أن الناس بدأت تدرك أن دعوات الأحزاب لمثل هكذا تجمهر لا يعني بالضرورة التعبير عن مشاعرها؛ ومطالبها إنما هي تظاهرات لتفريغ ما تكنه هذه الأحزاب في نفسها من مواقف معارضة، ولذلك فإن الحشد الذي أقيم أمام المحافظة لم يكن كما كانت تخطط له هذه الأحزاب!. ومع ذلك فإنني أرى أن أبناء تعز مواطنين وأحزاباً ومسئولين قد قدّموا أنموذجاً للكثيرين ممن لم يستوعبوا بعد المعنى الحقيقي للديمقراطية ولحق المواطنين في التعبير عن آرائهم وقناعاتهم بعيداً عن الفوضى والوقاحة!. وما لمسته وشاهدته من مسلكيات حضارية قدمها الأخ القاضي/أحمد عبدالله الحجري، محافظ المحافظة سواء خلال الفترة التي استبقت «الاعتصام» أو أثنائها، وهي المسلكية المتسمة بالمسؤولية في حق الآخر أن يعبر عن قناعاته، وفي حق المسؤول أن يضمن سلامة التعبير في إطاره الحضاري. وقد أقنعني ذلك بأهمية أن يكون المسؤول على قدر كبير من الحكمة تعينه على أداء مسؤولياته باقتدار ونجاح، ولذلك استحق المحافظ القاضي الحجري تجاه نجاحه في التعامل مع هذا الموقف أن يلقب بالحكيم أيضاً. أدركت ذلك في الحوارات والنقاشات الطويلة والمتواصلة والمتقطعة والمستأنفة حتى أثناء الاعتصام التي أدارها الحجري بهدف الخروج بهذه التظاهرة على النحو الذي يؤكد أن أبناء المحافظة وأحزابها ومسؤوليها قد قدّموا جميعاً درساً بليغاً في معنى ممارسة الديمقراطية بصورة مسؤولة وحضارية. فلهم جميعاً التحية.