المفجع في السيناريوهات الأمريكية الماثلة هو أنه لم ولن تقدم حلاً، والشاهد أن العراق كان أفضل حالاً قبل الغزو، وأن نظام المحاكم الإسلامية التي سيطرت على الأوضاع في الإقليم الجنوبي للصومال تمكن من تعميم الطمأنينة والأمن، بل بدأ في تدوير الخدمات الرئيسة ونشر ثقافة التعايش واحترام المرجعية القانونية، فكانت تجربة الأشهر الستة لسيطرة المحاكم على الإقليم الجنوبي للصومال بمثابة مناجزة للمثالب، وترسيخاً للسلم والاستقرار عجزت أنظمة كثيرة عن تحقيقها بالرغم من جيوشها العاتية وأموالها المتدفقة. ما جرى في العراق والصومال كان بمثابة خيبة أمل لقطاعات واسعة من الحالمين بالتغيير الإيجابي، فأصبح لسان حالهم يردد قول الشاعر: رب يوم بكيت منه فلما جئت في غيره بكيت عليه في تلك الأيام السابقة على التدخل الأثيوبي بدأ الصوماليون يعودون إلى بلادهم هرباً من ضياع الغربة ومآسي التشرد، ولم تعلن المحاكم يوماً ما أنها ضد التفاوض، أو أنها تريد مصادرة الآخرين وشطبهم، بل أعلنت مراراً وتكراراً استعدادها للتفاوض مع الحكومة الانتقالية، وأقصى ما جاهرت به هو أنها ترفض أي تدخل خارجي في الشأن الصومالي، لكن «أديس أبابا» التي تهيأت لحربها وتدخلها استندت إلى إجازة وتحريض اليمين المحافظ في البيت الأبيض، ممن يعتبرون المحاكم الإسلامية نسخة طبق الأصل من حركة طالبان، ويقولون بأن المحاكم تحتضن تنظيم القاعدة ودونما احتساب لطيوف الألوان السياسية والعقائدية داخل الإسلام السياسي!. الجديد السياسي الآن يتمثل في التحالف الذي ترعاه «أسمرة» والذي يضم المحاكم والمنشقين عن شرعية نيروبي والحكومة الانتقالية ويلتحقون بفرقاء أسمرة، وأن تتضافر ثلاث قوى في تحالف ضد الحكومة الانتقالية ممثلة في المنشقين من البرلمان والحكومة الانتقالية، بالإضافة إلى ممثلي المحاكم الإسلامية. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الحكومة الانتقالية تؤكد مجدداً ذات الفشل الذي ترافق معها بُعيد مؤتمر نيروبي عندما أخفقت في الاستفادة من الشرعية والدعم الإقليمي والدولي، ولم تتحرك صوب العاصمة مقديشيو، وبالتالي كان لابد للمحاكم الإسلامية أن تملأ الفراغ السياسي الناجم عن تردد وخيبة الحكومة المتدثرة بشرعية نيروبي واعتراف العالم..الإدارة الأمريكية ليس لديها ما تقوله بعد أن ثبت فشل مخطط التدخل، وزادت بلايا الحرب، فيما يدفع الشعب الصومالي ثمن هذه المخططات والتناطحات بين فرقاء النماذج السياسية وممثليها على الأرض.