يشير العديد من فقهاء القانون الداخلي «المدني»، إلى أن المسؤولية الجنائية نوعان: (1) مسؤولية تعاقدية: إذا كان الالتزام الذي أُخل به مصدره العقد، (2) ومسؤولية تقصيرية: إذا كان الالتزام الذي أُخل به مصدره العمل غير المشروع. و«العمل غير المشروع» الذي تترتب عليه المسؤولية المدنية التقصيرية ليس هو «العمل الإجرامي» الذي تترتب عليه المسؤولية الجنائية. ولذا يجب علينا التمييز بين العمل غير المشروع والعمل الإجرامي، ففي هذا الأخير يلحق الضرر بالمجتمع ككل، أما في العمل غير المشروع فالضرر يصيب فرداً واحداً من هذا المجتمع، ويترتب عن هذا الفارق العديد من النتائج الهامة نذكر منها التالي: (أ) ما دام أن العمل الإجرامي يمس سلامة المجتمع وأمنه كان جزاؤه عقوبة توقع على الشخص المسؤول زجراً له وردعاً لغيره، (ب) العمل الإجرامي لا يجوز فيه الصلح ولا التنازل لأن المسؤولية الجنائية حق للمجتمع. وعلى المستوى الدولي يعرف فقيه القانون الدولي «بادوفان» المسؤولية الدولية بأنها: « نظام قانوني يترتب على الدولة التي ارتكبت عملاً يجرمه القانون الدولي التعويض عن الضرر الذي لحق بالدولة المعتدى عليها ». وعليه فالمسؤولية الدولية نوعان: (1) مسؤولية مباشرة: تقع عندما تخل الدولة بشكلٍ مباشر بالتزاماتها الدولية. وهذا أمر طبيعي إذ إن الدولة مسؤولة - مبدئياً- عن أجهزتها الخاصة من موظفين مدنيين وعسكريين ومعتمدين دبلوماسيين .. إلخ. (2) مسؤولية غير مباشرة، تقع عندما تتحمل إحدى الدول مسؤولية خرق القانون الدولي، من قبل دولة أخرى. وتستلزم هذه المسؤولية الأخيرة وجود رابطة قانونية خاصة قائمة بين الدولتين المعنيتين «مثلاً أن تكونا في إطار دولة اتحادية، أو محمية، أو منتدبة»، وربما أصبحت بعض هذه الأنواع نادرة باستثناء مسؤولية الدولة الاتحادية عن كل الأعمال التي ترتكبها الولايات المكونة لها، كما يمكن الحديث عن إثارة المسؤولية في إطار العلاقات المتميزة بين دولةٍ وأخرى كما هي حال العلاقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل...، وتقوم المسؤولية الدولية على عدة أسس هي: نظرية الخطأ: وهي النظرية التقليدية، ونظرية التبعات أو المسؤولية الموضوعية. وتبقى المشكلة الحقيقية التي تعيق تنفيذ «القانون الدولي» تكمن في أن مبدأ «المسؤولية الدولية» هو مبدأ عرفي «يستند إلى الممارسات والأعراف الدولية، ولا يستند إلى القانون الدولي المعبر عنه بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية»، حيث أخفقت كل المحاولات التي بذلت لتقنينه منذ سنة 1930م، ولذا فالأمر برمته ظل يعتمد على إسهامات الاجتهاد القضائي الدولي، وظل الرأي السائد في الفقه والتعامل الدوليين «وليس في إطار القانون الدولي»، يرى أن الأساس الوحيد لإثارة المسؤولية الدولية يكمن في الإخلال بإحدى قواعد القانون الدولي. بيد أن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في إطار اتفاقية روما التي مثلت الأساس لوجود تلك المحكمة، وربما يكون قد ساهم ولو بدرجة محدودة في تقنينه «المقصود هنا مبدأ المسؤولية الدولية» والتعريف بطبيعة المسؤولية الجنائية على الصعيد الدولي، بل وزاد على ذلك بتجريم بعض الجرائم المرتكبة داخل الدولة نفسها مما كان يستثنيه القانون الدولي ويعده شأناً داخلياً يحظر التدخل فيه، وحدد لها العقوبات التي تتناسب معها، والمفارقة أن الولاياتالمتحدة وحليفتها إسرائيل من بين الدول القلائل التي رفضت التصديق على المعاهدة المنشئة لتلك المحكمة، مما يعني أنها غير خاضعة لأحكام وسلطة تلك المحكمة حتى في حال أنها طبقت بالفعل. واليوم لا يحتاج المراقب للشأن الدولي إلى فراسة أو دراية بقواعد القانون الدولي حتى يكتشف سياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة التي تستخدمها الدول الكبرى في تعاملها مع باقي دول العالم، خاصة عند تحديد المسئولية الجنائية الدولية. فمن جهة أولى، دعوات ترفع ضد هذا الزعيم - لعل آخرها الدعوى التي يجري رفعها ضد الرئيس السوداني عمر البشير - أو ذاك من قادة وزعماء العالم لمزاعم عديدة منها انتهاك حقوق الإنسان، ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تستوجب العقاب وتشكيل المحاكم وسلسلة هزلية من الإجراءات القانونية وغير القانونية التي يعاد إخراجها في كل مرة بنفس الأسلوب المسرحي الهزلي، حتى لو لم تكن تلك الدول قد صادقت على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يعني عدم خضوعها لبنود تلك الاتفاقية وفقاً لقواعد القانون الدولي نفسها، وحتى لو كانت الجرائم المزعومة ضد مواطني نفس الدولة. ومن جهة أخرى عشرات الجرائم ترتكب يومياً ضد شعوب دول أخرى تستعمل فيها كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، ومجازر بشرية تنقل عبر شاشات التلفزيون والأقمار الصناعية، مرتكبوها يعيشون طلقاء لا يجرؤ أحد على توجيه التوبيخ أو اللوم أو إلقاء التهم عليهم، فكيف بالأحرى محاكمتهم لارتكاب تلك الجرائم، مما يدخل ضمن نطاق المسئولية الجنائية الدولية نفسها. ليس حديثنا هذا دفاعاً عن أحد، لأن من يرتكب الجريمة ضد الإنسان لا يستحق منا هذا الدفاع عنه، لكنه رغبة في تحديد نوع الجريمة التي تستوجب العقاب، وتوحيد المعايير والمكاييل عالمياً ومحلياً، والكف عن التذرع بهذه الذريعة للتدخل في سياسات الدول والحكومات، والنظر إلى حقوق الإنسان، أي إنسان كائناً من كان على أنها كل لا يتجزأ، وأي انتهاك لحقوق هذا الإنسان سواء أكان مواطناً أم أجنبياً تستوجب العقاب الرادع حماية لها أياً كانت جنسية أو صفة مرتكب هذه الجرائم. هكذا نفهم المسألة، وهكذا ينبغي أن تكون الأمور. وليراجع الجميع سجلات المنظمات الحقوقية ليحكموا بأنفسهم على أكثر الدول انتهاكاً لحقوق الإنسان. ولنتذكر المثل القائل: من كان بيته من زجاج لا يرم بيوت الناس بالحجارة.