في غزة.. كل شيء كان في دائرة الاستهداف.. الأطفال والنساء والشيوخ العُزّل.. البيوت والمدارس والمستشفيات والمساجد وكل الأحياء المدنية.. حتى مقرات وكالة غوث اللاجئين«الاونروا» لم تسلم من الاستهداف والاعتداء في خرق فاضح وبشع لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين أثناء الحروب. الآن، والآن فقط لن نحتاج الكثير من الوقت ولن نحتاج جهداً يذكر لإعادة تأهيل النازية والفاشية.. بل ربما نحتاج لإقامة الصلوات وتلاوة سور وآيات الرحمة على أرواح هتلر وموسوليني وكل النازيين والفاشست. لم تكن حرباً تلك التي ابتدعتها آلة الحرب وأسلحة الدمار الاسرائيلية بل كانت محرقة صارت فيها غزة ميداناً واسعاً فسيحاً لإبادة جماعية، كرنفالات للدم والموت والدموع والدمار والخراب الذي طالما أجادته اسرائيل بمهنية واحتراف عاليين طوال تاريخها الموصوم بالدم والحقد والإجرام. هم«أي الاسرائيليين» يفخرون بنصرهم الزائف.. الآن وقد توقفت طائراتهم عن رمي القنابل الفوسفورية المحرّمة.. وتوقفت بوارجهم الحربية عن اطلاق صواريخ القتل والابادة.. وكفت مدافعهم عن حصد أرواح الأطفال الأبرياء.. متوهمين أن كل ذلك سوف يستر عورتهم بعد انكشافها في بيروت.. ويغطي فشلهم الذريع في كسر صمود تلك الأجساد العارية إلا من العزيمة والكفاح.. والصبر.. يقولون إنهم أضعفوا «حماس» بحربهم تلك.. وإنهم قد دمروا بنية حماس التحتية وذلك في نظرهم نصر عوضهم عن مرارة الخيبة التي ذاقوها في لبنان قبل عامين. ونحن نقول: إن النصر والهزيمة هي اللغة التي يتحدث بها الجنرالات ويجيدها قادة الحروب والمعارك في حساباتهم لمعاني الربح والخسارة، لكن ذلك لا يعني شيئاً للإنسان المتشبث بأرضه المدافع عن حقه وحريته وكرامته.. حقه في مقاومة الاحتلال الغاصب. إن البنية التحتية لحماس ليست المباني والطرقات والجسور ومحلات الصرافة، بل هي ذلك الفلسطيني المحاصر المقهور.. الفلسطيني الصامد والمقاوم.. المتمرد الرافض لكافة أشكال القمع والاذلال. لطالما كنت منحازاً فيما مضى لكل أطروحات اليسار الفلسطيني والعربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وأسلوب اليسار في محاولة فهم ومعالجة طبيعة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.. العربي والاسرائيلي.. وكان رموز وقادة الجبهتين الشعبية والديمقراطية محط إعجاب دائم رافقني طويلاً، لكنني عرفت الآن معنى أهمية وفاعلية الانتقال من مستوى التنظير فقط وعمل وأسلوب النخبة إلى مستوى التضحية والفداء والقدوة العليا في رجال حماس ورموز الجهاد وهم يتقدمون الصفوف ويجسدون بالكلمة والفعل كل معاني النضال والصمود لاسترداد الأرض المغتصبة.. والكرامة المنهوبة.. إن انخراط فصائل المقاومة الاسلامية ممثلة بحركتي حماس والجهاد في المقاومة الباسلة وعدم التفريط بالحقوق شكل رافعةً قوية للمقاومة الفلسطينية ولقضية العرب المركزية قضية فلسطين برمتها.. وبشكل غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي.. تعاطف العالم معنا نحن العرب!! العالم بشرقه وغربه.. شماله وجنوبه.. أغنيائه وفقرائه.. رجعييه وتقدمييه، وكانت المسيرات والمظاهرات وكافة أشكال الاحتجاج التي عمّت العالم العربي والغربي دليلاً ناصعاً على عدالة قضيتنا وإدانةً صريحة لهمجية العدوان وبشاعة العدوان. في غمرة أحزاننا.. تشرئب الأعناق وتتطلع الأفئدة صوب غزة.. صوب فلسطينالمحتلة وهي تعاني ما تعانيه من قبل الحرب والعدوان وأثناءه وبعده، وأخشى ما نخشاه يضيع ذلك الصمود الاسطوري.. وتخفت تلك الروح القتالية العالية في أروقة ودهاليز السياسة وضغط الدبلوماسيات والمفاوضات من الأشقاء والأصدقاء وكذلك «الأعدقاء» لتذهب دماء الأبرياء وأرواح الشهداء وقلوب أولئك المقاتلين الصامدين هباء تذروها الرياح. إياكم ياأهلنا في غزة.. ياأهلنا في كل فلسطينالمحتلة.. ياأهلنا في كل عاصمة عربية.. إياكم أن تخذلونا..!! ومن العار أن يتوقف ذلك النبض الذي يهتف لغزة أو أن يصير الدم الزكي المسفوح ماء!! آخر الكلام: مقطع من قصيدة لشاعر فلسطيني: يابطل الضفة لاتهدأ.. اعلنها ثورة.. حطّم قيدك اجعل لحمك جسر العودة فليمضِ وطني حُراً.. فليرحل محتلي.. فليرحل فليمضِ وطني حُراً.. فليرحل محتلي..!!