من عصر محمد الفاتح وفتح «قسطنطينية» إلى غضبة «أردوغان» مسافة شاسعة من التاريخ الحي المشتعل كجذوة في مهب الريح لامبراطورية فضلت التواري ترفعاً عن الاستنشاق من ملوثات الحاضر التي تفرزها مراكز القوى العالمية اليوم بسوءاتها وحبائلها التي تخلقها من أجل الاستيلاء على «عشبة الخلود» فترتكس وهي في ريعان الشباب، وتنحل عراها، وشمسها تغيب.. وهكذا هي سنّة الله. فما الذي يريده الحاضر من تركيا اليوم؟! لاسيما مع وجود ومضات خجولة تكشف أن تركيا نبعها لايزال صافياً لم تكدره دلاء الصداقة مع ثيران الحلبة وحلفائهم من الغرب.. وقد تجلى واضحاً أن مسار الانزياح الذي وجدته تركيا أمراً واقعاً في يوم ما لم يفلح في تشويه الخلقة التركية ولا في إلهائها عن النظر إلى ماضيها الذي وجدت فيه هويتها الحقيقية. وما الذي يريده «أردوغان» من تركيا اليوم؟! وهل في غضبة مثل هذه ما يؤكد بدء تخلق مشروع جديد للسياسة التركية في العالم؟! حيث وغضبة طيب أردوغان لا يمكن أن يهدأ لها سعير في ضمائر الأتراك حين انطلقت من «دافوس» لتبعث ساكناً وتفجر ما كان خامداً من مشاعر المسؤولية تجاه مسيرة الإسلام «ميراث قرون وعنوان حضارة» وأوضاع المسلمين وقضاياهم وكلمتهم غير المسموعة، وآية ذلك أن تركيا اليوم تعيد اكتشاف نفسها فتطلق هديراً صاخباً بأن اسرائيل لم تقدّر تركيا حق قدرها. هل نثق بأنها لحظة فاصلة ستعود تركيا بعدها لأن تنزع عنها نهائياً قبعة أوروبا، وتولي وجهها شطر الشرق من جديد؟!. أليس من هذا الموقف الأردوغاني ينبغي أن تنسل حقيقة مهمة طوتها الأيام وهي حتمية إيقاظ النزعة العثمانية الأولى للبحث عن المجد المطمور تحت أنقاض السنين وزحمة السياسات، وهذا لن يكون إلا باستمرار انتهاج الصيحات والغضبات التي تجدد مسيرة الرفض والتحرك على طريقة الشاعر القديم: إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو تقطر الدما إن طيب المنبت نراه اليوم يأبى للرجل الطيب «طيب أردوغان» أن يفتح أذنيه ويصغي لحديث البطولات الآثم ورغاء سفاح أهلك الحرث والنسل، وهو المطرود جده مع سيل الإهانة من حضرة السلطان عبدالحميد، وكيف السماع لمن يزجي التضليل والزيف، وهو محتل غاصب وقاتل أرعن تنتظره الهزيمة؟!. التحية لك يا طيب أردوغان وأنت تعتصر ماء العزة بعد جفاف، وتفض وحدك - وبطريقتك - حالة الصمت العربي والمحاباة الغربية، وتفعل ما عجز عنه الكثيرون، وتفتح أمام الجميع مشروع تساؤل ينقل تركيا من حيز الغياب إلى حيز الحضور.