قصة المهرجانات والاحتفال بالمناسبات الوطنية والدينية وغيرها قديمة، إذ ترتبط بجميع الحضارات البشرية على اختلافها وتنوع ثقافاتها ودياناتها.ومع أن كثيراً من تلك المناسبات اختفت ولم يبق لها أثرا إلا ما حفظته لنا ذاكرة تلك الشعوب، أو كتب التاريخ، فإن الاحتفالات والمهرجانات حافظت على بعض طقوسها وأنماطها التقليدية، ومواعيدها الثابتة، وإن اختلفت أساليب تنظيمها وطرق الإعلان عنها والتعريف بمضامينها وفقراتها، وهذه تطورت بتغير المناسبات، وبتطور الوسائل والتقنيات التي استحدثتها الحضارات الإنسانية، كما اختلفت المناسبات التي يحتفى بها، لتشمل مجالات كثيرة لم يكن الاهتمام بها بنفس القدر الذي تحظى به حالياً، ومنها بالتأكيد المجال السياحي. ففي العقود الأخيرة باتت إقامة المهرجانات السياحية تقليداً سنوياً تحرص على إقامته مدن يمنية وعربية وعالمية كثيرة، بعضها يقف على العتبات الأولى وما يرتبط بها من اعتباطات البدايات ومتاعبه ومشاكله، بسبب نقص الخبرة في طرق التنظيم والإعداد، وبعضها الآخر وصلت إلى الدورة الخمسين، وربما تجاوزتها إلى ماهو أبعد من ذلك بكثير، وجميعها تستفيد من تراكم الخبرات والتجارب السابقة، محلية وعالمية لإضفاء طابع التشويق والإثارة والتنافس مع باقي المهرجانات. وأحسب المهتمين بشئون السياحة والمتتبعين لأخبار المهرجانات السياحية المحلية والإقليمية والدولية يلحظون أن كل مهرجان يتمتع ببعض الخصوصيات، وقد يأخذ طابعاً متفرداً بين باقي المهرجانات الدولية، ويتخذ لنفسه شعاراً يغدو ماركته أو علامته التجارية المسجلة. فبعضها يهتم بالرقص والغناء «مهرجان الرقص الشعبي أو السامبا بالبرازيل، ومهرجان الموسيقى الأندلسية في المغرب، وأغاني الراي في وهران بالجزائر» وبعضها الآخر ينظم لممارسي بعض المسابقات الرياضية التقليدية أو التراثية «مهرجان الحسينية في الحديدة، ومصارعة الثيران في إسبانيا، ورقصات التنين في دول جنوب شرق آسيا» وقد تعد مواسم للاحتفال بحصاد فاكهة أو جمع أنواع محددة منها «مهرجان حَبّ الملوك أو الكرز في المغرب، ومهرجان الطماطم في بعض مدن ايطاليا، وموسم جني الزيتون، وعصر العنب في كثير من دول البحر المتوسط» وبعضها الآخر يقام لأجل عقد القران وطقوس الزواج بين الشباب من الجنسين «أشهرها مهرجان إملشيل بالمغرب»، وبعضها يقام لأغراض التسويق للمنتوجات السياحية والتعريف بأماكن القصد السياحي «تنظم في أغلب دول العالم مهرجانات ومعارض سياحية سنوية»، وللجانب الديني حظه من الاهتمام والمهرجانات، وإن أخذت طابعاً أكثر التزاماً وقداسة «مواسم الحج، ومواسم زيارة الأولياء الصالحين والأضرحة والمزارات الدينية في كثير من الدول العربية»، وهكذا تقف وراء إقامة كل مهرجان أو احتفال فكرة أو أسطورة يستقيها المنظمون من التراث الشعبي المحلي، أو قصة واقعية تحتاج من يرويها، ولكنك لن تجد سبباً واحداً تقام من أجله جميع المهرجانات أو المناسبات الاحتفالية، إلا إن كانت تقليداً أعمى لا هدف له، ومثل هذه المهرجانات محكومة بالفشل والزوال والاندثار، ونحسب أن مهرجان إب السياحي قد تجاوز هذا الاختبار بنجاح كبير، وإن كنا نأمل المزيد من الإبهار والتشويق والإبداع. ففي نهاية الأسبوع الماضي بدأت فعاليات المهرجان السياحي في دورته السابعة بمحافظة إب «المحافظة السياحية» ويبدو أن اللجان المشرفة على المهرجان قد استفادت كثيراً من الخبرات التي راكمتها دورات المهرجان الماضية، فبدأ المهرجان هذا العام أكثر تنظيماً، حتى إن رافقت انطلاقته بعض التعثرات والتأخير، ولقد جذب إليه حضوراً جماهيرياً متميزاً، ربما يكون الأكثر مقارنة بالمهرجانات السابقة، وربما أن وجود القرية السياحية في فضاءات وقاعات كلية الزراعة بجامعة إب، والتي ضمت معارض فنية وتراثية وبيئية، إضافة إلى وجود فرقة السيرك المصري، وتنوع الفعاليات الثقافية والفنية والعلمية التي تضمنها المهرجان هذا العام، أضفى على المهرجان أجواء عائلية افتقدتها الدورات السابقة للمهرجان، وزاد فرص أفراد العائلات في العثور على متعة مشتركة بين جميع أجيال الأسرة، ماجعل أفواجاً من الأسر تنظم زيارات متواصلة إلى القرية السياحية، زادها جو إب البديع روعة وجمالاً، وهي مناسبة لنشد على أيدي المحافظ ونائبه وجميع أعضاء المجلس المحلي بالمحافظة وجميع القائمين على لجان الإعداد والاستقبال والتنظيم، ولهم جميعاً نوجه كلمات الثناء والشكر باسم كل أبناء المحافظة ومرتادي المهرجان، ونؤكد لهم أن ماقاموا به يعد خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، ليكون للمهرجان شهرة محلية وإقليمية، وكي يحظى باهتمام محبي السياحة في كل مكان. مع ذلك تبقى نقاط كثيرة نرجو أن تضعها اللجان الإشرافية على المهرجان نصب عينيها في القابل من الأيام، لتقييم الأداء، ومعرفة جوانب الإيجاب والسلب، وتحديد طرق الاستفادة من تجارب الآخرين ممن قطعوا أشواطاً كبيرة في تنظيم المهرجانات، وفي معرفة أساليب جذب اهتمام السياح المحليين والأجانب، والاهتمام الإعلامي المصاحب لهذه الفعاليات، كما أن القرية السياحية تبقى فكرة حسنة ومبتكرة، لكنها تحتاج إلى تطوير وتوسيع، وإلى إشراك جميع المهتمين والمتخصصين، كي يصار إلى جعلها قرية نموذجية تمثل جميع المديريات في المحافظة، وتجمع موروثها الفني والثقافي والتراثي، كما أنها بحاجة إلى أفكار تجعلها تتحول من مركز للمعروضات، إلى ورش عمل ومعامل متحركة تعكس التنوع والغنى اللذين تزخر بهما، وخلق فرص عمل لكثير من المواهب الشابة، وربما كانت سبباً في خلق معامل ومراكز تصنيع صغيرة، وفي قسم السياحة وإدارة الفنادق بكلية التجارة والعلوم الإدارية في جامعة إب أعدت بحوث ودراسات علمية هدفها تفعيل المهرجان، وتقييم دوراته السابقة، والتخطيط لدورات المهرجان القادمة، وفق أسس علمية روعي فيها الاعتماد على بيانات ومعلومات جمعت من مصادر كثيرة ومتنوعة، ومن المختصين والمهتمين بالقطاع السياحي، إلى جانب الاعتماد على الدراسة الميدانية تحت إشراف أساتذة القسم، نتمنى من القائمين على المهرجان الاطلاع عليها، والاستفادة من النتائج التي توصلت إليها للرفع من مستوى المهرجان السياحي، وجعله موسماً وتقليداً سنوياً يتشوق الناس إلى إطلالته، ويستفيدون من تكراره، مادياً ومعنوياً. إشارة أخيرة لابد منها: مدينة إب، ومعها كثير من مدننا وعواصم المديريات في وطننا الحبيب على اختلافاتها وتنوعها المناخي والجغرافي والبيئي، تمتلك ثروات مادية وبشرية تحتاج إلى من يُحسن استغلالها وتوظيفها، كما تزخر بكثير من المقومات السياحية الطبيعية، والمآثر والمزارات التاريخية، والقلاع والحصون والمدن الأثرية، وغيرها من عوامل جذب السائح الوطني والخارجي، التي جاد بها الخالق الكريم، أو مما خلفه لنا الأقدمون، لكنها تفتقد إلى لمسات جمالية تبرز قيمتها وتحقق الاستفادة المثلى من وجودها، وتنظيم زيارات السائحين إليها، وتدرك قيمتها الحضارية والإنسانية، وكثير منها يحتاج إلى الاهتمام والصيانة والترميم والحراسة، كما أننا نسينا تشجير المناطق المحيطة بمدننا بالغابات والأحزمة والمساحات الخضراء خاصة في مواسم الأمطار، وتجميلها بالحدائق والمتنزهات، وإلى إيجاد مرافق سياحية وفندقية وإيصال الخدمات إليها بمستويات سياحية راقية أو مقبولة على الأقل، وإلى خلق متنفسات تمكن السائح من قضاء وقت ممتع، ويكفي سياحتنا بؤساً أنها ظلت إلى اليوم أسيرة نمط تقليدي من سياحية المنظر الجميل أو الهواء العليل، والصدفة، والحظ الطيب، والجود الإلهي، التي لم نكلف أنفسنا عناء إدخال أي تعديل أو تطوير يذكر عليها، فهذه جميعاً لا تخلق سياحة مستدامة تخدم التنمية الوطنية، إنها تحتاج إلى جهد بشري حقيقي يحولها إلى منتوج سياحي فعلي، عبر صيانة ماهو موجود، وإعادة إنتاج ما يماثل تراث الأقدمين، أو يفوقه فهل بمقدورنا أن نفعل ذلك؟ أترك لكم حرية التعليق أو الإجابة.