هل يمكننا الإجابة على سؤال رهان الثقافة العربية المعاصرة في ظل سيادة السياسي العابر، وتهميش الثقافي الرائي، واستشراء البُنى السُلطانية المشوّهة سواء تدثرت بنياشين الملكية أو الجمهورية ؟، وهل يمكننا تجاهل الحالة السيكوباتية الجماعية التي تعيشها مجتمعاتنا بحكامها ومحكوميها ؟، وكيف لبيئة المفارقات والتجويزات الغرائبية أن تنتج إبداعاً ؟، وكيف يمكننا التفريق بين السُلطات والمعارضات في ظل المشترك الذهني والسلوكي للطرفين وكأنما ولدتهم أُم واحدة ؟، وهل يمكن لبيئة العرب الراهنة أن تكون بيئة تفاعل وتشارك وإبداع إنساني حقيقي؟، وماذا نفعل بثقافة الكراهية والتكفير وصكوك الغفران الكنسية المُتأسلمة؟ أسئلة كثيرة تنبري أمامنا، ولا جواب لها فيما هو ماثل، بل إن الجواب يكمن هناك بعيداً في التاريخ، وصولاً إلى الراهن. على العرب أن يمتشقوا طوبى المُكاشفة، والفصل "الإجرائي" بين الدين والحياة، واعتبار التجارب البشرية الناجحة صنعاً كُلياً للإنسانية، وأن هذه التجارب لا تمثل سلالة أو ديناً أو ملة، بل هي نتاج مؤكد للتاريخ البشري الذي أسهمنا فيه يوماً ما. العرب مطالبون بتقديم ثقافة التسامح والسلم المترادفة مع النقد البناء ومكاشفة المثالب، ذلك أن ثقافة السلم والتسامح لن تؤتي نتائجها المرجوة إن أسدلت الستار على الحقائق الموضوعية الماثلة في الزمنين السياسي والمجتمعي العربي، والشاهد أن هذين الزمنين يتقاطعان بكفاءة مشهودة، وأن الحالة السائدة في جُل المنطقة العربية تتناسخ في مثالبها ومفارقتها حتى ليُخيل للناظر أنها "أنظمة في نظام" وأنها قبائل توحدها قبيلة الانتهاك واللصوصية والفساد. وعلى من يريد التأكد من هذه النتيجة الفادحة أن يتجوّل في مشرق العرب ومغربهم حتى يرى كيف أنهم يتناسخون كما لو أنهم خرجوا من رحم واحد. آن الأوان لعهد جديد سيأتي طوعاً أو كرهاً، فمن الأجدى أن نصل إلى الجديد استباقاً ومبادرة، وإلا فإن الجديد المُداهم سيكتسح الصالح والطالح وسيتحول إلى "تسونامي" يذكرنا بما كان في عهد الثورة البلشفية الروسية وقبلها كومونة باريس.