كان محافظ ذمار يحيى علي العمري قد قام - بوصفه محافظاً منتخباً ورئيساً للمجلس المحلي والمجلس التنفيذي - بخطوة لم يسبقه إليها أحد في المحافظات الزراعية من الدرجة الأولى بقلع أشجار أو شجيرات القات التي ظهرت في أنحاء متفرقة من قاع جهران الخصيب والواسع لأول مرة في التاريخ. وكتبت الصحف بأنه قد نجح فعلاً في ذلك وعزى النجاح إلى تجاوب أعضاء السلطات المحلية وكبار المشائخ والأعيان وبعض أعضاء مجلسي النواب والشورى.. ومنذ ذلك التاريخ لم يعد أحد يسمع عن مشكلة اسمها قات قاع جهران، إما لأن المزارعين فرضوا سلطتهم وثبتوا الأمر الواقع الذي أحدثوه من ناحية، ومن ناحية أخرى لعدم وجود إمكانيات مادية وفنية لمتابعة الحملة لتطهير ذلك القاع من وبال شجرة القات وتخاذل من أظهروا في البداية تعاوناً معه ثم انقلبوا عليه صاغرين أمام المحسوبية والمغريات المادية والتدخلات العليا عن طريق بعض أصحاب المصالح الخاصة. كانت ضربة في البداية للذين استجابوا لوسوسة الشيطان ما لبثت أن تحوّلت إلى ضربات ضد السلطة والعقل وضد الأجيال القادمة في غياب الردع وهيبة الدولة التي ما كان ينبغي لها أن تسكت وتترك المحافظ عُرضة لأناس تربوا على الفوضى والجهالة التي أعيت من كانوا يسعون لغرس الثقافة والمفاهيم المتحضرة إلى عقولهم ومعهم - طبعاً- الكثيرون الذين يتدافعون إلى تحويل أراضيهم إلى مزارع للقات. وهؤلاء كانوا في غنى عن إدخال شجرة القات وإخراج زراعة الخضروات والقمح والبقوليات التي اشتهر بها قاع جهران والذي نُظر إليه ومعه قاع الحقل كسلة لهذه الأنواع من الأغذية، لأنهم كانوا يجنون من ورائها أموالاً طائلة في كل المواسم لا تقل عما يدرّه القات من النقود ولم يفكروا وهم يتعرضون لأمراض السرطان المختلفة نتيجة استخدام المبيدات الخطرة ويسهرون الليالي ويتعبون في النهار في خدمة وحراسة القات ووصل الحال بهم في مناطق كثيرة إلى القتل والحروب نتيجة خلافاتهم على الملكية وعلى المياه ومع أولياء دم اللصوص الذين لقوا مصرعهم ومنهم بعض الخلطاء والجيران في الأراضي والمساكن. عادت زراعة القات كما سمعنا إلى قاع جهران بقوة وأصبح المسافرون إلى صنعاء ومنها يشاهدون الشجرة الخبيثة وأوراقها تلمع كالزجاج بفضل المبيدات السامة والمظلات الواقية من البرد القارس هذه الأيام وبعودتها وانتشارها الرهيب تضعف آمالنا في إمكانية القضاء على هذه الشجرة نهائياً.