الحب حقيقة كونية مثل الشمس والقمر والليل والنهار. ويؤكد العلماء أن الحب عبارة عن ظواهر كيماوية تنشأ في داخلنا. فنحن نحب لأن أجسامنا تفرز مواد كيماوية تدفعنا تجاه شخص معين دون سواه، وبذلك فالحب ليس تحليقاً فارغاً في الهواء بل حقيقة بيولوجية راسخة، تقود في النهاية إلى إفراز كيماوي غامض مثل الابينفرين والدوبامين. واليوم نعلم أن قاعدة الاتصال العصبي بين النورونات في الدماغ تقوم على شكلين كهربي وكيماوي. فالنورون الذي هو الوحدة العصبية، أي الخلية العصبية لها استطالات تبلغ من ألف إلى مائتي ألف في خلايا بوركنج في المخيخ. تتدفق السيالة العصبية من الخلية عبر الاكسونات، أي الامتدادات على شكل دفق كهربي فإذا وصلت إلى السنابس، أي نهاية الاستطالة عندما تلتحم بخلية ثانية فهنا يحدث الاتصال والتفاهم بقاعدة كيمياوية. ولو كان الاتصال بين الخلايا العصبية كهربياً لأصيب بالاحتراق الكامل مع الاضطراب الكهربي رحمة منه تعالى. ويعرف العلماء أن اللغة الكيماوية بين النورونات تصل إلى أربعين مما عرف حتى الآن. واللغة هنا معقدة جداً فيها أكثر من حروف اللغة العربية ال 28 فتبارك الله أحسن الخالقين. وإذا حصل الانجذاب نحو شخص معين بدأ إفراز مادة الاندومورفين وهي التي كشفها علم الوخز بالإبر الصينية. وهكذا يصبح ذا قاعدة كيماوية. فيحس بالأمان والراحة تجاه شخص ما وبالانسحاق واليأس في خسارته أو بعده أو جفوته. وللحب أعراض شائعة تتسم بالاضطراب في الأفكار والسلوك والإحساس بأن ذلك الحبيب محور حياتنا كلّها وأننا لا نستطيع العيش بدونه مطلقاً وهذا ما يسبب لنا العذاب والقبول بفكرة الاستعباد خوفاً من أن نفقده فتصاب حياتنا بالشلل. وعندما يقول المحبون: إنهم يشعرون وهم في حالات الحب بأنهم تائهون تدور بهم الأرض فلا تسخر منهم لأنهم يكونون كذلك فعلاً. ولأنهم يكونون حينئذ مغمورين بفيض من الإفرازات الكيماوية التي ينتجها الدماغ وتسري في الأعصاب ومجرى الدم. وعندما يهجرنا الحبيب نشعر بالخوف والاضطراب والضياع وذلك ببساطة، لأن دماغنا يتوقف عن إنتاج هذه المواد التي اعتدنا عليها وهكذا يتحول الحب إلى ما يشبه الإدمان. ويحاول العلماء اليوم دراسة هذه الظاهرة كما تدرس أي ظاهرة فيزيائية مثل تمدد المعادن بالحرارة وسخونة الكلس إذا عولج بالماء. ونحن نعرف أن الشمع والحليب والبارود إذا تعرض للحرارة ذاب الأول وفار الثاني وانفجر الثالث ليس بسبب الحرارة بل بالاستعداد الخفي المحجوب، فأي سر خلف الحب؟.