كم هي مفارقة وبون شاسع في العملية الانتخابية التي تجرى في بلدان نامية وهو مثل حي لازالت تداعياته مستمرة وأشبه بثورة بركان لم يخمد ولن تخمد. ولكن في بلدان تعمقت فيها العملية الديمقراطية بحكم الممارسة المتكررة وتوقع التداول في أخذ راية السلطة وتقبل نتائج الانتخابات بروح رياضية، هذا الوعي الديمقراطي يرتبط بمستوى متقدم من التنمية يتمتع به الناخبون وما عليه الحال من استقرار في المصالح ومن هدوء حزبي يقبل بالنتائج وبحيث لا تعتبر الأحزاب أن العملية الانتخابية ونتائج الفرز هي مسألة حياة أو موت للأحزاب.. أي تعصب انتخابي!!. ولعل نتائج الانتخابات الفرنسية والألمانية قبل بضعة سنين مضت، كانت دليلاً على تقبل وقبول بما تؤول إليه النتائج بخروج أحزاب قوية من السلطة، وكانت نتائج الانتخابات الأمريكية أنموذجاً لهذا التغيير الشامل في انتقال السلطة من الحزب الجمهوري إلى الحزب الديمقراطي، بل والتحدي الآخر الذي أكد احترام خيارات الناخبين واعتبار تصويتهم هو الأساس وهو الأمر الذي سار بروية وبحسب قناعة داخلية للحزب الديمقراطي في حسم المرشح الرئاسي، وقدم الحزب الديمقراطي صورة راقية لقبول حسم التنافس لصالح المرشح الأسود – حينها – على المرشحة البيضاء وهي عمدة مدينة نيويورك وزوجة الرئيس الأسبق كلينتون. ويتذكر المتابعون كم اشرأبت أعناق الأمريكيين والرأي العام الدولي بقبول المرشح الأمريكي من أصول أفريقية لينافس الأمريكي وهو من الحزب الجمهوري، لم يكن السيناريو معداً سلفاً وقد سارت النتائج بصورة طبيعية وقبول بالديمقراطية فهناك تطبيع ووعي ديمقراطي، وتلاحقت الأحداث حتى وصل الرئيس الأمريكي أوباما إلى سدة الحكم فزار الكثير من الأماكن وألقى الكثير من الخطابات واستمع وطاف واستقبله المجتمع باحترام، فهذه هي نتائج الصندوق الذي لم يُعبّأ بأوراق انتخابية مزورة أو يسرق الصندوق أو يُغتال المرشح. وهذه نتائج الانتخابات البريطانية التي أفرزت قيادات شابة متجددة مكّنت حزب المحافظين من العودة إلى السلطة بعد(13) عاماً من الغياب، أما التجديد فهو أن الأحزاب الرئيسة الثلاثة (المحافظين، الأحرار، والعمال) خاضوا الانتخابات وسبقوها بمناظرات ثلاثية الأطراف بعقليات هادئة وجاء المحافظون وتحالفوا مع الأحرار لتكون حكومتهم وبحسب العرف الانتخابي (معلقة) ولكونها نتيجة مُرضية ومقبولة هرعت لترتيب بيتها بكفاءات منها أول امرأة مسلمة تدخل ضمن قوام الحكومة البريطانية. ورغم تباين المحافظين مع الأحرار إلا أنهم توافقوا وتقبل كل منهم الآخر، وهو أنموذج لاستحقاق انتخابي نحلم به في الدول النامية.. بحيث تنتهي الانتخابات ويعود معها المواطن يمارس حياته العادية دون توتر أو خوف حيث لايحمل سلاحاً ولاتفخيخاً ولا مطالبة بإعادة الانتخابات. هل نستطيع الاتعاظ ونسأل عن كوامن النجاح وإلى أي مدى نستطيع تحقيق مقاربة لهذه التجارب وأن نبتعد عن أن نجعل اليوم الانتخابات يوماً أسود بدلاً عن كونه استحقاقاً وطنياً. لا أعتقد أن النتائج الهادئة والمقبولة هي بسبب مستوى الرفاه للشعب البريطاني أو الأمريكي، أو أن المسألة ليست سوى برود غربي يقابله تعصب عربي، بل الحقيقة هي حالة المنع الديمقراطي التي عشناها في اليمن قبل الوحدة على سبيل المثال وبعدها حيث أصبحت الديمقراطية مسموحة وممكنة أوجدت عقلاً باطنياً تعصبياً هو المتحكم في كل الأحزاب والتنظيمات السياسية. والسؤال المطروح هنا هو هل هذه المرحلة الراهنة هي نهاية المسيرة الحزبية؟ وهنا التباين بين تفكيرهم في تلك البلدان المتقدمة وتفكيرنا في البلدان النامية ذات الديمقراطية الناشئة، إن ما يهمنا هو ما بعد النتائج حول وظيفة كل حزب وتنظيم سياسي، حيث يجب أن يحرص كل حزب على ألا يؤجج العواطف وألا يسمح بالتوتر وأنّ استشراق المستقبل للحزب هو المهم ولنعطي الناجح فرصته ولنعمل بإخلاص للجماهير لأنه في الأول والأخير الانتخابات سجال، ومن يعمل بإخلاص هو من سيتمكن من حسم المعركة الانتخابية.