تتبنّى قناة «الجزيرة» القطرية الدين السياسي بطيوف ألوانه المتباينة، لكنها وبالمقابل لم تفتح ذات الباب الواسع للوسطية الدينية ومثالها المالكية والشافعية والحنفية والتصوّف، وكأنها لا تريد من يتباعد عن الإسلام السياسي، أو كأنها تنبش في تضاعيف الخدر الأيديولوجي للإسلام السياسي الباحث عن مثال في الأسلاف، وهكذا تفعل. يلحظ المراقب الحصيف أن تبني «الجزيرة» للإسلام السياسي والعقائدي ينطوي ضمناً على التلويح بفزّاعة كبرى للنظام العربي الرسمي، كما ينطوي على خلط أوراق تتضمن استحضاراً منهجياً للماضي بقضه والقضيض.. وفي نهاية المطاف تتضمن تصعيداً للخلافات الكلامية التي عرفها التاريخ الإسلامي وتجاوزها عملياً على مدى قرون من الزمان. لكن هذه المعادلة لا تجرى وفق النسق المخطط له، فمن الصعوبة بمكان مراقبة خفايا المتحدثين «الإسلاميين» وطرقهم الالتفافية في التعبير، ومناوراتهم لتوصيل الرسالة التي يريدون، وبالتالي ليس أمام المرجعية القائمة على أمر القناة سوى الهضم والاستيعاب للآثار الجانبية لهذه المغامرة الفكرية السياسية المعقدة، ولعل هذه المرجعية بالذات تفتقد الإدراك الأكثر عمقاً لأبعاد الخطاب الديني الإسلامي بتناويع رؤاه وثراء مفرداته الدلالية والذوقية، وقدرته الخطابية التخديرية المُبهرة، مما يتجاوز صغار القوم من عرّابي الرسالة الإعلامية. ولا يقف اهتمام «الجزيرة» بتيار الإسلام السياسي الأيديولوجي فقط، بل أيضاً مواكبة الأحداث الساخنة التي يفعل فيها التيار الإسلامي الجهادي فعلاً جوهرياً، وهنا نستحضر 3 محطات مهمة أبلت فيها «الجزيرة» بلاءً حسناً: المحطة الأولى: غزو أفغانستان من قبل القوات الأمريكية وإسقاط نظام طالبان، وما تلا ذلك من تواصل مؤكد مع زعامة القاعدة. والسؤال المحيّر هنا يكمن في تواتر الأشرطة التلفزيونية التي تصل من قيادة تنظيم القاعدة، مُخترقة القواعد العسكرية والاستخبارية الأمريكية وصولاً إلى العاصمة القطرية الدوحة، حيث يتم بثها في القناة «بالتقسيط» وبحسب معطيات الحال، ولا بأس من إعادة تدوير الرصيد المتبقي من المواد في الوقت المناسب!!. المحطة الثانية: مواكبة الشأن العراقي في العراق وخاصة المتعلق منه بخلافات السنّة والشيعة، مع التركيز على مجاميع القاعدة هناك. المحطة الثالثة: أحداث الصومال والتمركز المبكر في العاصمة مقديشيو ومتابعة انتصارات المحاكم الإسلامية بصورة لافتة، والآن يستمر الأمر مع التيار الشبابي المجاهد المناوىء لشرعية جيبوتي برئاسة الشيخ شريف أحمد.. هذه المحطات وغيرها ترينا درجة التباس القناة بالإسلام السياسي، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف لقناة قريبة من نموذج الليبرالية السياسية المُكاشفة أن تكون لسان حال للإسلام السياسي؟!. [email protected]