لا تمر مناسبة إلا وسمعنا المسؤولين يحذّرون من الفراغ لدى الشباب, ويجمعون على أنه باب الولوج إلى الانحراف والتطرف والإرهاب والتخريب. ومن فيض ما يعيدون علينا ذلك ترسخت قناعة الناس بما يقولون, وصار همهم شغل فراغ أبنائهم, غير أنهم يبحثون عن الإخوة المسئولين ليسألوهم إلى أين يذهبون, فقد أضناهم البحث عن مكان يحثون أبناءهم على قضاء فراغهم فيه؟!. أليست مفارقة أن يجد الحوثيون معسكرات للتجنيد والتعبئة, ويجد الحراك ساحات لمهرجاناته والتعبئة الانفصالية, فيما لا يجد أبناؤنا ساحة صغيرة للعب كرة قدم أو حديقة للتنزه؟!. في العاصمة صنعاء كان شباب الحارة، وبينهم أولادي, يلعبون كرة في ساحة مدرسة الزبيري, وبعد بدء أعمال التوسعة للمدرسة منعوهم, فأمضوا زمناً طويلاً يبحثون عن ساحة فعثروا على ملعب كرة سلة في المعهد الفني بحدّة, وبعد أشهر قليلة طردوهم لأن ساحة الدولة تؤجر بفلوس لأبنائها الراغبين قضاء فراغهم فيها, وقد أبلغت الوزارة بذلك وتبيّن أنها راضية بذلك!!. وبعد شهر من التسكع اكتشف الشباب أن بإمكانهم لعب الكرة بعد الساعة الثامنة ليلاً في نادي الضباط, فأمضوا أكثر من شهرين يلعبون ليلاً في ملعب كرة السلة حتى طردهم الحارس يوم الثلاثاء الماضي لأنه يريد أن يأخذ راحته (بالتخزينة) وغير مستعد للانشغال بهم حسب ما تذرّع به, وفي كل الأحوال النادي يتبع جهة لا علاقة لها إطلاقاً برعاية الشباب أو القطاع المدني عموماً. ما ذكرته ليس إلا مثلاً بسيطاً على ما يعانيه أبناؤنا الشباب, ليس فقط في العاصمة بل في مراكز جميع المحافظات التي لا يجد فيها الشاب ساحة لممارسة الرياضة، ولا حديقة للتنزه، ولا مركزاً لرعاية المواهب الفنية، ولا دار سينما أو مسرحاً، ولا حتى مكتبة عامة لو كان من هواة المطالعة، لكنه يجد أبواب مئات مقايل القات مفتوحة أمامه وترحّب بمقدمه!!. وقد يجد أيضاً أوكاراً سرية لتعاطي الحبوب المخدرة، وحتماً سيجد من يحوم حوله ويعزمه في بوفيه ثم في مطعم, وإذا به في النهاية يتعشى في أحد أوكار التطرف أو التخريب, وهكذا كان طريق من تم تضليلهم ثم تجنيدهم لدمار البلد وإزهاق الأرواح. تحدثت ذات يوم إلى أحد المسئولين المحليين عن مشاكل الشباب, فأخبرني أنه ليس منطقياً أن تحجز الدولة أرضية بمركز مدينة في الوقت الذي بدلاً مما يلهو فيها الشباب تستطيع بيعها أو تأجيرها كأسواق تعود عليها بالملايين, ثم اقترح أن يشغل الشباب فراغهم في معاهد اللغات والكمبيوتر!!. ويبدو أن بعض المسئولين ينسون أن هذه المعاهد ليست مجانية، وينسون أن انحراف شاب واحد مع جماعة إرهابية كافٍ لإغلاق أسواق مدينة كاملة إذا ما قام بعمل إرهابي. ليس من المجدي أن يواصل الإخوة المسؤولون تحذير الناس من الفراغ لدى الشباب، فهم صناع القرارات ويتحملون مسؤولية إيجاد الحلول، واعتماد الخطط، وتنفيذ التوجيهات العليا، فهناك العديد من المشاريع الخاصة برعاية الشباب تم التوجيه بها ولم تنفذ، وهناك عشرات المشاريع المتعثرة واعتمادات مالية لا أحد يعلم أين ينتهي بها المطاف. وينبغي للإخوة المحافظين والمجالس المحلية بحث هذه المشكلة بجدية بدلاً من التذمر من الشباب المضللين في صفوف المخربين والمتمردين أو أولئك الذين يجدون في الدعوات إلى الفوضى فرصة لشغل فراغهم وكسر الروتين اليومي الممل. كما أن قسطاً من المسؤولية تقع على عاتق رجال الأعمال وملاك الأراضي أن يسهموا في التبرع بأرضية كملعب أو مركز لنشاط معين. كما نتمنى من السلطات المحلية التوجيه إلى المدارس والمعاهد وأي منشآت حكومية فيها مساحات مناسبة بفتح أبوابها للشباب ليمارسوا هواياتهم, فإذا كانت الدولة تحرمهم من اللهو على أرضها, فكيف سيسمح لهم الآخرون وهم ليسوا أبناءهم بل أبناء الدولة وهي أولى برعايتهم؟!.