إن درجة التمسك بالكذب باتت عالية ولم يعد بالإمكان الحد منها في الوقت الراهن, وقد تمكنت وسائل الإعلام الخارجية من فرض الكذب على الرأي العام, بل إن القائمين على هذه الوسائل لم يعد لديهم القدر الكافي من المهنية والموضوعية مطلقاً, ولايخوضون في حقائق الأمور, ولم يعد يهمهم إلا عدم الصدق والكذب والافتراء, أما الأخبار الحقيقية والواقعية فقد باتوا يتجنبوها, ويبدو أن لديهم نظرية إعلامية جديدة يمكن أن تعكس مجريات الحياة العامة, ويبدو أن منطوق هذه النظرية يقول: إن الأخبار الإعلامية إذا لم تنطوِ على الكذب والإثارة لاتعد أخباراً, وأن على الإعلام التابع للمؤسسات الإعلامية المروجة للفتن في العالم أن لايقبل بالأخبار الواقعية والموضوعية والحقيقية ولايتعامل معها مطلقاً, وقد لاحظت ومعي الكثيرون أن الفضائيات المثيرة للفتنة, لايمكن أن تحضر وقائع حقيقية تقدم فيها بيانات رقمية وعملية, وإن حضرت لايمكن أن تنشر الخبر أو تتحدث عن الحدث المشار إليه وتتجاهله تماماً إن لم تعمل على معاقبة مراسليها الذين حضروا الأحداث الواقعية وصوروها. إن الفضائيات وبدرجة أساسية المحسوبة على العرب اسماً والتابعة للأجهزة الاستعمارية مضموناً قد أجادت إجادة كاملة فن صناعة الكذب والإثارة, ونجحت في تدمير الشارع العربي وجعلت الناس سكارى, ولم يعودوا قادرين على التمييز بين الكذب والصدق, والحقيقة والوهم, وتمكنت من جعلهم ينسون قضاياهم الحقيقية فلم تعد في الوطن العربي قضية فلسطين تشغل أمريكا واسرائيل ولم يعد الفقر والجوع والبطالة من القضايا الأساسية في الوطن العربي, لأن كذب الفضائيات قد أشبع الجائعين وأوجد فرص العمل للعاطلين وحررت فلسطين, وفعلت كل شيء وحققت آمال وتطلعات الجماهير وهماً وكذباً وزيفاً, ولن يعرف الشارع العربي أن كل ذلك زيف وكذب إلا عند مايصحو على حقيقة الوجود الاستعماري الذي يسوم الشعوب العربية سوء العذاب, ساعتها فقط يدرك أنه كان يعيش في الوهم الذي صنعته تلك الفضائيات. إن على الشارع العربي أن يصحو من غفلته واتباعه هوى الفضائيات, وان يستعيد أنفاسه ويكف عن تخريب وطنه العربي الكبير, وأن يركز على البناء والإعمار بدلاً من الهدم وتحميل الوطن العربي مالايطيق من الخسائر التي لايستفيد منها إلا عدو الأمة العربية والإسلامية, وأن يدرك أن جزءاًمن الوطن العربي محتل احتلالاً مباشراً وجزءاً بشكل غير مباشر, وأن يحافظ على ماتبقى من الكرامة العربية بدلاً من السير خلف ماتصنعه الفضائيات من الوهم, وصناعة التغيير لاتتم مطلقاً عبر الفوضى ولاتتم إلا عبر الوعي والوسائل المشروعة, فهل آن للشارع العربي أن يصحو من غفلته؟ نأمل ذلك بإذن الله.