بقدر ماسُعدنا بالحراك الديمقراطي في المجتمع اليمني، بقدر ما شعرنا بالحسرة وخيبة الأمل لما آلت إليه الساحة من صراع ورغبة في تدمير وإغراق السفينة اليمنية. اعتقدنا بأن الوصفة السحرية للديمقراطية ستكون المخلِّص الأمين للمجتمع من سيطرة أو احتكار فئة أو أسرة أو قبيلة للحكم ومقدرات الحياة، وبلوغ اليمنيين سلطة ومعارضة مرحلة الرشد والنضج السياسي والوعي بالممارسة الديمقراطية، لكن ذلك لم يكن. الحكاية الأغرب للديمقراطية في الساحة اليمنية أنها انسحبت إلى التمترس القبلي ، الجميع يتحدثون عن النظام الديمقراطي ، لكن على طريقة قُطاع الطرق ومشيخات القبائل عند اقتسام الغنائم والنفوذ والأدوار والمناطق والرعية. لو أن لنا بطرفي الأزمة اليمنية «الحزب الحاكم واللقاء المشترك» قوة لتقدمنا بدعوى قضائية مستعجلة ضدهم، إنهم يدفعون باليمن الأرض والإنسان إلى التشظي، يقودون المجتمع إلى المحرقة، تعطلت الحياة اليومية، توقفت الحركة الاجتماعية، أغلقت الشوارع والمدارس والجامعات، أغلق القطاع الخاص منشآته، أوقف بعضهم الإنتاج وفرّغوا العمال لينضموا إلى سلك البطالة في الهم اليمني، بدأ بعضهم بسحب نفسه واستثماراته إلى مناطق ومجتمعات آمنة ومستقرة، انهارت العملة الوطنية، ارتفاع مخيف للسلع الضرورية، الفقير يزداد فقراً، المتنفذون والمترفون والانتقاميون وأصحاب المصالح والمشاريع الخاصة يُعدون المشهد اليمني للمزيد من التأزم ، لعبة شد الحبل بين السلطة والمعارضة على مدار الساعة أصبحت مصدر قلق وفزع اجتماعي وخوف من الانجرار إلى صراع لا يُحمد عقباه. الديمقراطية اليمنية اختزلت في لعبة شد الحبل، كل طرف يستعرض عضلاته وقدراته لسحق الآخر، الواقع اليمني يصرخ معلناً تمزق الحبل سيذهب بالجميع إلى الهاوية، إنهم يكتبون الفصل الأخير للحكاية الديمقراطية في اليمن. حلمنا بالتغيير السلمي الآمن الذي يصحح الأخطاء ويصلح مافسد، يعيد تقييم ومعالجة البرامج والمؤسسات، يزيح الوجوه والقيادات المتكلسة في الإدارة والوظيفة العامة، يحرم الاحتواء الأسري أو المناطقي أو القبلي للوظيفة وقيادة المؤسسات والأجهزة والمرافق، يرسي مداميك المواطنة المتساوية، يتتبع الفساد والفاسدين وناهبي المال العام بقوة القانون وهيبة الدولة وصحوة المجتمع. ثورة التغيير وقعت ضحية بين رحى الصراع الدائر في الساحة والعناد المتزايد بين السلطة والمعارضة، الشرخ الحاصل في الشارع اليمني يتسع يوماً بعد يوم ، الساسة جميعهم يستعرضون رقصاتهم على هتافات وشعارات الجماهير اليمنية وسحر الفضائيات وخطوات المشاريع الجديدة في الشارع اليمني. مايظهر لنا من خلال الممارسات العجيبة والغريبة لطرفي الأزمة في الساحة افتقاد الجميع للنضج السياسي والتحول الديمقراطي، سعي كل طرف إلى استحداث متاريس قبلية، إنهم يفرغون الحراك الديمقراطي من محتواه ، افتقادهم للمضمون العملي للديمقراطية كونها آلية تعتمد الشراكة كمحتوى وقاعدة جعلهم يتمحورون حول الشعارات وكفى. الوصفات السحرية عجزت عن إيجاد الحل التوافقي الملزم للجميع، ماراثون الشعارات في الشارع اليمني مازال سيد الموقف، تستمر الحكاية لأن المخرج يبدو أنه يريد ذلك . ألم يبق لدى اليمنيين من الحكمة والعقل ليوقظهم حتى لايذهبوا إلى المجهول؟ [email protected]