من مبكيات الأزمة السياسية الراهنة أنها أنتجت آخر منتوجاتها من الأزمات الفرعية وهي أزمة العلاقة بين مختلف فئات المجتمع .. حيث أصبحت منقسمة إلى ثلاثة أقسام وهي “فئة ال “ مع” وفئة ال “ ضد” وفئة ال “حياد” أمثلة واقعية خاصة بها .. وتشير إلى أن اختلاف وجهات نظرها صار كالمقص الذي قص شريط الروابط الاجتماعية فيما بين أفرادها مما أدى إلى حدوث أزمة علاقة بين الأخ وأخيه والأب وابنه والزوج وزوجته ..إلخ.. وإن من أمثلة ذلك: أن أحد الأصدقاء أخبرني بأنه في شهر فبراير الماضي قام بزيارة أخته المتزوجة وبعد ذلك انقطع عن زيارتها .. فسألته عن السبب الذي منعه من تكرار زيارته لأخته الوحيدة؟ قال:«أنه في زيارته الأخيرة لأخته حدثت مشكلة فيما بينهما» فقاطعته وقلت؛ “أكيد مشكلة عائلية ولكني لا أريد معرفة تفاصليها لأنها من الخصوصيات التي لايجب إخراجها عن حدود الإطار العائلي.. ولذا أنصحك بالعمل على حلها وعلى مستوى العائلة..” فقال لي: “مشكلتنا ليست عائلية ولكنها مشكلة لها علاقة بالأزمة السياسية الراهنة..” فأختي مؤيدة لأحد طرفي الأزمة وأنا من معارضيه..» فقلت :«وما المشكلة في ذلك؟» قال:«المشكلة هي أني ومن خلال مناقشتي معها حاولت إقناعها مراراً بخطأ رأيها ولكنها أبت أن تقتنع فتحول النقاش بعد ذلك إلى مشادة كلامية شديدة اللهجة وانتهت بإعلان الخصومة فيما بيننا ومنذ ذلك الحين وأنا لم أقم بزيارتها فكم أنا مشتاق لرؤيتها ورؤية أطفالها.. قلت:«غلطان .. فاختلاف الرأي لايفسد للود قضية.. هذا إن كان مع الشخص العادي فما بالك مع أختك الوحيدة فأنت عالجت الخطأ بالخطأ فقطع الرحم سلوك لايرضاه الله ولا رسوله”.. فقال:«كلامك مقنع جداً.. ومنذ هذه اللحظة لن أجعل الاختلاف بالرأي يفسد مودتي لأختي وسيشمل هذا الاتجاه جميع من حولي دون استثناء.. وشخص آخر يشكو لصاحبه “بأنه قد ضاق ذرعاً من زوجته ويفكر بالانفصال عنها” وعندما سأله صاحبه عن السبب؟! أجابه بالقول “أن زوجته تخالفه الرأي حول الأزمة وأصبحت لا تتحدث إلا عنها.. حتى في فراش النوم”.. وهناك من طرده أبوه من المنزل .. لأنه لم يتخذ موقفاً واضحاً من الأزمة ورجوعه إلى المنزل مشروط بتحديد موقفه “مع” أو “ضد” أما الحيادية فهي مرفوضة من قبل الأب وهناك أيضاً من ينوي إخراج ابنه من إحدى المدارس الأهلية لأن صاحبها ومديرها يؤيدان أحد طرفي الأزمة.. وليس هذا فقط بل أن أزمة العلاقة قد طالت حتى الأطفال فابن فلان أصبح لا يلعب مع ابن جاره فلان لأن الأول معارض والثاني مؤيد وأحياناً يؤدي هذا الخصام الطفولي البريء إلى نشوب معركة حامية الوطيس بين الطفلين ونادراً ما تتسع دائرة المعركة لتصبح فيما بين الأبوين.. وهكذا تستمر حكايا ال “مع” و«الضد» في خضم استمرار الأزمة السياسية.. إذاً “العاقل” هو من يتحكم بموازين علاقاته الاجتماعية مع الآخرين ويجعلها تتسم بالحيوية ومرونة التعامل وتقبل مختلف وجهات النظر بابتسامة صادقة وصدر رحب فمثل هذا التعامل يجنب صاحبه الخصومة مع الآخرين ويطفئ نار العداوة ويعمل على تطوير العلاقة الاجتماعية إلى المستوى الأفضل.. فمن الحماقة التمسك بالتعصب السياسي لجهة معينة لأنه من مفسدات العمل الديمقراطي ويهدم الوطن أكثر مما يبنيه ويساهم في تضخيم النزاع السياسي ومن ثم ينفجر ويتحول إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر وهذا ما حدث في أكثر من دولة والأمثلة متعددة.