لقد كان من البديهي أن تفرز الأزمة السياسية الراهنة تأثيرات سلبية على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع اليمني، وتصبح العداوة والخصام والتباعد عناوين بارزة لواقعنا الاجتماعي في الوقت الحاضر. ومن أهم أسباب ذلك أن المجتمع اليمني بمختلف فئاته من أشد المجتمعات العربية تعصباً للحزبية ومن أكثرها انتماءً إلى الأحزاب السياسية، ولهذا السبب سكن في عقلي طيف قلق وفي قلبي طيف خوف من أن تتحول الأزمة السياسية إلى صورة مشابهة لفتنة المسيخ الدجال والذي يزعم أتباعه على ارتكاب الموبقات ومنها قطع الأرحام والتخاصم مع الأقران. ولكن هذا الأمر لا يمكن تعميمه إذ إنه رغم تعقيدات الأزمة إلا أن العلاقات الاجتماعية اليمنية ازدادت قوة ومتانة وتماسكاً، وهذا ما نلمسه عن قرب في جميع المناسبات الدينية ومناسبات الأفراح والأحزان، حيث نجد الكثير من الأسر اليمنية والمنطوي معظم أفرادها تحت مظلة الأحزاب السياسية المعارضة منها والحزب الحاكم والأحزاب المتحالفة معه لم يسمحوا بتاتاً للأزمة أن تؤثر بالسلب على علاقاتهم الاجتماعية، فجميعهم منتظمون على زيارة أرحامهم وأقاربهم وجعلوا حبال الحب والمودة ممتدة ودونما انقطاع حتى مع أقرانهم وزملائهم في العمل وعلى مختلف انتماءاتهم الحزبية. واللافت للنظر أنهم يؤمنون إيماناً مطلقاً بتلك العبارة القائلة «لكم أحزابكم ولنا أحزابنا ومهما اختلفنا سيظل الوصال من طبعنا ومن تعاليم ديننا». وفي المقابل لاحظت أيضاً بأن هناك قلة لا تزيد نسبتهم عن 50 % صنعوا من الأزمة السياسية آلة حادة استخدموها في قطع حبال علاقاتهم الاجتماعية، ومن ثم أصدورا فتوى لأنفسهم ولأمثالهم تحرم زيارة أقاربهم، لأنهم يخالفونهم في الرأي والتوجه السياسي حتى لو كانوا من أقرب الناس إليهم.. فعلى سبيل الحقيقة أعرف شخصاً متعلماً ومتديناً وعلى دراية بفقه الدين والذي كان قبل حدوث الأزمة السياسية يقوم وكعادته بزيارة جميع أخواته المتزوجات ولكنه وبعد حدوث الأزمة قام بزيارة أخواته إلا واحدة منهن لم يقم بزيارتها وقطع حبل وصالها الأخوي، والسبب أنها خالفته في رأيه السياسي، ولقد أقدم على فعلته هذه على الرغم من علمه بعدم جوازها، فلا الدين أجازها ولا الأعراف والعادات أقرتها في زمن الأزمات السياسية. وختامتاً أتمنى أن نظل نعطي صوراً اجتماعية إيجابية عن ديمومة تواصل روابطنا المجتمعية وتزداد صلابتها ومتانتها.. كما أتمنى من أصحاب النفوس الضعيفة أن يضعوا التعصب الحزبي جانباً ويقدموا على صلة أرحامهم لما لها من ثمار طيبة كثمار «الإطالة بالعمر والتقرب إلى الله تعالى والمباركة في الرزق ولطف اللسان وسعة القلب وكظم الغيظ والتخلي عن الكبر بعد ستر القلب والجسد بثوب التواضع وترك الحسد وحسن الخلق وتزيين عقله وفؤاده بقلادة العلم والتعافي من بلاء الجهل والحمق وغرس الكرم في النفس حتى لا يقل رأيها وعقلها»، وماهذه الثمرات إلا بعض من كل الثمرات التي لسوف يتذوق طعم حلاوتها في الدنيا والآخرة جميع من يصِلون أرحامهم في السراء والضراء.