تنتصب أمام حكومة الوفاق الوطني عديد المهام الصعبة والجسيمة التي فرضتها الأوضاع الراهنة التي تعيشها البلاد، وأولى هذه المهام إصلاح وإعادة بناء ماخربته ودمرته الأزمة السياسية التي جثمت على الوطن لأكثر من عشرة أشهر وفعلت فعلها السيئ في كل شيء في حياتنا.. وأيضاً من مهامها السير بالوطن نحو الأمان والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذا الاستقرار المعيشي للمواطن الذي يحدوه الأمل في أن تكون حكومة الوفاق حكومة إنقاذ فعلية لكل مايعانيه من أزمات، وليست كما اعتاد عليه حكومة استعراض للتصريحات والمؤتمرات الصحفية والتسويف والمماطلة والإنجازات الوهمية على الورق. المواطن لايهمه ولايعنيه أن يكون هذا الوزير أو ذاك من الحزب الفلاني أو العلاني، بقدر مايهمه أن يلمس نتائج تنعكس إيجابياً على حياته المعيشية، يريد أن يشعر بالأمن والأمان، يريد توفير المتطلبات الضرورية وتخفيض الأسعار الجنونية للمواد الغذائية والأساسية ، يريد توفير المشتقات النفطية دون طوابير وبأسعار مناسبة،يريد توفير الغاز المنزلي بعيداً عن لعبة (الغميضة)، يريد كهرباء دائمة بلا (طفي لصي ).. وغيرها من الاحتياجات الضرورية التي افتقدها المواطن خلال فترة الأزمة السياسية الطاحنة . يجب أن يدرك الجميع أن البلاد في ظل الأوضاع السيئة التي ترزح تحتها لم تعد تحتمل المزيد من الاختلافات والمماحكات والمكايدات السياسية، بل تتطلب منا أن نسمو فوق كل الخلافات والصراعات ونسيانها ولو إلى حين، وأن يكون التوافق السياسي هو عنوان المرحلة القادمة، وأن نعمل سوياً يداً واحدة من أجل الوطن وأبنائه ونضع الوطن ومصالحه فوق كل اعتبار. إن أعضاء الحكومة مطالبون بالخروج من جلباب الحزبية إلى فضاء الوطن ورحابته، وأن يشذوا عن النمط الذي سارت عليه معظم الحكومات السابقة، ذلك النمط المقيت المتمثل في ( كثير من الكلام قليل من العمل) وعليهم أن يثبتوا كفاءتهم وجدارتهم في تحمل مسئولية المناصب التي أسندت إليهم وأن يتحرروا من الرؤى الحزبية الضيقة لصالح الرؤية الوطنية الشاملة، ويعوا جيداً أن مهمتهم الأساسية هي إخراج البلاد من الأزمة الخانقة وإعادة الحياة إلى وضعها الطبيعي وتحقيق آمال وتطلعات أبناء الشعب الذي عانى كثيراً - ولا يزال - من آثار وتبعات الأزمة المتشعبة والمتعددة الجوانب والتي طالت كل مناحي الحياة . وبالمقابل فإننا مطالبون بعدم التسرع والاستعجال في الحكم على حكومة الوفاق وأن نمنحها الفرصة والوقت الكافيين لكي تقوم بعملها وتثبت قدرتها على تنفيذ مهامها، فدعوها تعمل بسلام بعيداً ،عن القدح أو المدح في حقها أو حق أعضائها، لأنه من المبكر جداً تقييم هذه الحكومة وهي التي لم يمض على تشكيلها سوى أيام قليلة، بل إنها لم تباشر بعد تنفيذ برنامجها العام الذي حتى اللحظة لم ينل ثقة البرلمان، وتنفيذ هذا البرنامج من عدمه هو المقياس للحكم على نجاحها أو فشلها. أعتقد جازماً أنه إذا ماتوفرت النوايا الصادقة لدى الحكومة وعملت بجد وتحملت أمانة المسئولية التي تفرضها عليها الظروف الراهنة للبلاد، فإن النجاح سيكون حليفها لامحالة.