“وما كانَ لمؤمنٍ أن يقتُلَ مُؤمناً إلاّ خطأً”، تأمّلتُ كثيراً وبحثتُ أكثر في مدلول هذه الآية الكريمة علّي أجدُ تفسيراً آخر لا ينفي صفة الإيمان عن القاتل لأخيه المؤمن إلاّ عن طريق الخطأ. فماذا عن قتلةٍ مُجرمين يقتلون أناساً مشهوداً لهم بالإيمان على مرأى ومسمع ومع سبقِ الإصرار والترصّد؟ وفي طريق مُسبّلة؟!. وبما أني أعرفُ تماماً في القضية التي سأتحدثُ عنها أحدَ الشهداء المقتولين غدراً وقد شهد لهُ كلُّ من عرفه من علماء وزملاء وجيران وأقارب بأنه من أهل الإيمان والزهد والورع والتقوى، فماذا عن قاتليه من الإرهابيين الذين قتلوه عمداً وعدواناً وهو على متن سيارته بعد إخراجها من الورشة مُتجهاً بها نحو أحد المساجد لأداء صلاة المغرب؟!. ليس لأنه من أهلي كتبتُ عنه، فكلُّ من عرفَ الشهيد العقيد الركن حسين محمد الشبيبي الذي اغتالته أيادي الإجرام والخيانة في مدينة عدن الأسبوع الماضي يعرفُ أن ما سأقوله عنه ليس سوى النزر اليسير من خصاله وقيمه وأخلاقه الفاضلة. تمنيت أن يكون من قاموا بهذه الجريمة الشنعاء وثنيين أو مجوساً لا دينَ لهم، كونه من العار أن ينتمي هؤلاء القتلة والمجرمون إلى دينٍ سماويٍ جعلَ هدمَ الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم. أما أنتم فكم من الأرواح أزهقتم، والدماء سفكتم، والأمهات أثكلتم والنساء رملتم والأطفال يتمتم؟ وأعتقد أنه لا يُقدمُ على هذه الأفعال الإجرامية إلاّ من رضع من دماء الثعابين وليس من ألبان أمهاتهم، إلاّ من كانت قلوبُهم من الأحجار وعقولُهُم من أخشاب لا تميز بين الحق والباطل ولا الخبيث والطيب. لقد كان آباؤنا يضربون به المثل في الاستقامة والأدب والأخلاق والتواضع لأنه تربّى في بيتٍ كريمٍ لا يعرفُ إلاّ الفضيلة والزهد، فقد كان أبوه عالماً كبيراً فاضلاً وقاضياً عادلاً بشهادة كل من عرفه. عندما كنتُ ألتقي به في بعض المناسبات أطلبُ منه أن يجعل له مرافقاً أو مرافقين, فكان يردُّ عليَّ بقوله: (من توكل على الله فهو حسبه). وكان يطمئنني بأنه لم يظلم أحداً أو ينتهك حرمة أحد وأنه لا يقوم بأي عمل لا يتوافق مع الشرع والقانون وحقوق الإنسان. نعم أيها الإرهابيون، لقد رمّلتم زوجتين ويتّمتُم ستة أبناء أكبرهم لم يتجاوز الثامنة عشرة وأصغرهم لم تتجاوز السبع سنوات وسلبتم جسد والدهم لكنكم لم تنهبوا روحه الطاهرة وقيمه وخصاله الحميدة التي زرعها في أذهان أولاده وكرسها في تربيته لهم. قتلتموه لأنه كان لا يمشي إلاّ بمفرده ولا يحب المظاهر والمرافقين باعتباره واثقاً من نفسه وصادقاً مع الله ومع الناس بأنه لا يؤذي أحداً. كيف ستواجهون ربكم، وماذا ستقولون له وقد قتلتم إنساناً ذرفت عيونُ كلِّ من عرفه الدموعَ حُزناً على فراقه، ماذا ستقولون لربكم وقد أثكلتم القلوبَ وجرحتُم المشاعر وضاعفتم أحزان الناس؟!. أما هو فقد ماتَ مُبتسماً لأنه كان يتمنّى أن يُقابلَ ربّهُ شهيداً، وكم تمنيت وأنتم رأيتم جثمانه الطاهر وهو بتلك الابتسامة لتعرفوا أنكم وكل من وراءكم على ضلالة؛ لأنكم تستهدفون أناساً يقولون ربنا الله. وكونوا على يقين بأن دمه ودماء زملائه الأطهار لن تذهب هدراً ما دام هناك ربٌ جبّارٌ عزيزٌ مُنتقم.. ولا نامت أعين الجبناء. [email protected]