قد يبدو السؤال الذي اخترته عنواناً لهذه التناولة عادياً للوهلة الأولى، أو قد يجده بعضنا مستفزاً، وربما يراه آخرون صادماً، أو على الأقل غير متوقع، وقد يعتقد آخرون أنه ليس مطلوباً أو مقبولاً على الأقل في هذه المرحلة الحرجة والحاسمة من تاريخ وطننا أن نطرح مثل هذه النوعية من الأسئلة التي قد تحيلنا إلى إجاباتٍ متباينة تزيد من مساحات “الخلاف” و“الاختلاف” في مجتمعنا، لأن القضية أو القضايا المطروحة هنا من وجهة نظر بعض القراء قد تقوم على نظرة شخصية ذاتية ومتحيزة للكاتب، أو متشنجة، أو متعصبة، أو انتقائية، وقد يراها بعضهم بعيدة قليلاً أو كثيراً عن المعايير الموضوعية أو الحيادية، وعن مطالب التسامح، والتصالح، والوئام، التي نحتاجها بشدة في وقتنا الحاضر، وهذا من حقهم جميعاً، ولنتفق على ذلك مبدئياً، أي على الحق في الاختلاف. ومع كل ذلك، لا تستعجل عزيزي القارئ الإجابة أو الحكم على النوايا، ولكن لنتأمل معاً مجموعة من الصور والممارسات الفردية والجماعية التي تبين كم نحن “مختلفون” أو “غير متفقين” في رؤية كثير من الأمور المحيطة بنا، وكم نحن “متعصبون” و“انتقائيون” في الحكم على بعض القضايا المرتبطة بأغلب تفاصيل حياتنا، مع أن بعضنا – وفي هذا قد نتفق - ينكر على بعضنا مجرد “الحق في الاختلاف”، و“المغايرة” و“التعدد” وفي الوقوف في “الاتجاه الآخر” على الأقل عملاً بمبدأ حرية الاختيار، واحترام التعدد، والتعايش، والمواطنة المتساوية، أو حتى “البلطجة المتساوية” حسب تعبير “منير الماوري” في إحدى تناولاته في صحيفة «الجمهورية» لتحكم على المدى الذي وصلنا إليه جميعاً في حب الذات، وإنكار حقوق الآخرين في الاختلاف والمغايرة، والتعدد، وعدم قبول الرأي المخالف أياً كان مصدره، أو صوابه، أو عقلانيته. القضية الأولى: الحق كل لا يتجزأ في وجوب احترام وحماية حقوق الإنسان، لأن حماية حقوق الإنسان مبدأ سامٍ، قد ((لا)) يختلف عليه اثنان، والحق كل لا يمكن أن يقبل التجزئة أو الانتقاص أو الانتقائية، تحت أي ذريعة أو مبرر؛ لأنه إما أن يكون حقاً لصيقاً بكل إنسان لمجرد كونه “إنساناً” أو لا يكون، ولذا لا يصح أن “تتباكى” بعض الناشطات والناشطين العاملين في بعض “منظمات حماية حقوق الإنسان” لوجود “انتهاكات سافرة” للحقوق الفردية أو الجماعية في مجتمع ما، عندما يكون الانتهاك صادراً عن أفراد أو قوات مؤيدة أو تابعة أو حليفة للنظام أو السلطة، وتتنكر أو “تتعامى” عن انتهاكات مماثلة لحقوق الإنسان في نفس المجتمع، إذا صدر الفعل عن “أفراد، أو جماعات” في المعارضة أو خارج السلطة. أليس من حقنا أن نطالب بعض هذه المنظمات والجمعيات والمؤسسات أن تقوم بواجباتها في رصد كافة الجرائم والانتهاكات “لحقوق الإنسان” بغض النظر عن الفاعل، وأياً كانت الضحية؟!. لأن “الضحية” في كلتا الحالتين تطلب العدالة والإنصاف ممن سلبها هذا “الحق” وكل من مارس ضدها صنوف العذاب وألوان “المَحْق” ولا تهمها هوية “المنتهك” أو “الجلاد” أو “المنقذ” أو “المنفذ” بقدر اهتمامها برفع الظلم وفك الأَسر وحماية الأُسر وإزالة “الحظر” أو “الخطر”. ومن يشكو ظلماً وقع من الآخرين عليه بالأمس لا يُعقل أن يمارس “الظلم” عليهم اليوم أو غداً، فهل نتفق على هذا؟!. القضية الثانية: الحق رديف الواجب تبدو المطالبة بالحقوق أمراً مشروعاً، ((لا)) يدركه كل واحد منا، ولذا فمن حق كل فرد أو مجموعة في مجتمعنا أن ينالوا جميع حقوقهم المادية، وأن يحظوا بالتقدير والتكريم الشخصي عن كل إنجاز أو نجاحٍ أو تميز يحققونه، وأن يعاملوا على أساس من مبدأ العدالة، والمساواة، وعدم التمييز، وليس من حق أحد سلبهم تلك الحقوق أو الانتقاص منها بأية “ذريعة” أو مبرر مهما بدت مقبولة أو مفهومة. ومع ذلك، إذا كنا سنتفق على أن من حق هؤلاء جميعاً نيل مطالبهم واستيفاء حقوقهم، وإذا كان من حق هؤلاء أن يستخدموا في سبيل الحصول على حقوقهم جميع الوسائل القانونية المشروعة والمقبولة أو غيرها ((مما لا نتفق حوله)) أليس من حقنا أن نطلب من بعض هؤلاء كل من موقعه وفي حدود مسئولياته أن يقوموا بأداء ما عليهم من واجبات نحو الآخرين، بوصفها “حقوقاً” للآخرين، حتى يستحقون بدورهم نيل تلك الحقوق؟!. لأن “الحق” لطرف ما يرتب “واجباً” على طرف آخر، والعكس، فلا يعقل أن تطلب “حقاً” لنفسك لدى آخرين، وتنسى أن تؤدي “واجباً” لآخرين عليك، أو تهدر “حقاً” لهم عندك. ومن يطلب حقاً لنفسه اليوم لا يجب عليه أن ينسى حقوق الآخرين غداً، فهل نتفق في هذا؟!.. وللحديث تكملة في مناسبة قادمة إن شاء الله تعالى.