يقولون إن الصحافة هي السلطة الرابعة، فهي تمارس مهامها من على الأوراق المطبوعة فتصبح السلطات الثلاث الأولى رهينة لما تقوله (صاحبة الجلالة) كما يسمونها! فكم من مقال قلب وضعاً وأرعب مسؤولاً و(طيّر) فاسداً و... و... طبعاً لا تقلقوا ليس هذا الكلام عندنا بل في مناطق جغرافية أخرى من أرجاء المعمورة. في مصر مثلاً كنا نشاهد في المسلسلات أثر الصحافة في الدوائر الرسمية وكيف أن المسؤول الفلاني (يتأثر) بما يكتبه صحفي عن أحواله الشخصية أو أحوال دائرته الرسمية التي هو مسؤول عنها وأخبار (الفضائح) المالية و(ملفات) الفساد التي تقدم للنائب العام وما إلى ذلك.. في مصر لا تنسوا ذلك. لكن ماذا عن حالنا..؟! أقول ما أكثر الصحف عندنا فلدينا العديد منها سواء القديمة او المستحدثة التي تغلب عليها بلا استثناء أخبار السياسة في الصحف الحزبية والحكومية رغم أن الجميع يضيف لفظة (جامعة) باعتبار الصحيفة جامعة لكل نواحي الحياة السياسية والفكرية والثقافية و...إلخ، لكن أخبار السياسة هي في الصدر الأول و(العجز) الأخير ولا مانع من الوسط والأطراف إن سمحت الظروف، فاليمنيون سياسيون بالفطرة ومن يرد إثباتاً بسيطاً على ذلك فجلسة واحدة في (مقيل) قات تأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوّد؟! لدينا في كل مجلس (هيكل) بل قناة الجزيرة بكل طاقمها إضافة إلى (العربية) والBBC فنحن سياسيون حتى النخاع ولا يحلو المجلس إلا بأخبار السياسة بين كل الأطراف المتصارعة على الساحة، ولعل (أحداث) العشرة الأشهر الماضية كانت المرتع الخصب لمدمني السياسة الذين لم يقصّروا في نفخ (كير) المجتمع حتى الثمالة تحليلاً وتوصيفاً و(تعنيفاً) ولا مانع من الشتم والسب واللعن والقذف والخصومة والهجر ومد الأيدي وال... وما لحقتها من تطورات؟! وكان المواطن منا صحيفة (سيارة) بآخر الأخبار ما كذب منها وما صدق.. اليوم وقد هدأت الموجة قليلاً وانحسرت دائرة الأحداث وبدأنا مرحلة جديدة ظهرت تغيرات على صحافتنا الرسمية وكانت صحيفة «الجمهورية» في الطليعة، فالتحول الذي لحقها جعل الكل يتحدث عنها مستغربين كيف تنشر مقالات تتخطى ما لم يكن مسموحاً به سابقاً من نقد (للنظام) نفسه واستقطاب أقلام بمثل ثقل (الماوري) و(الزرقة) وغيرهما دون أن يدرك المستغربون أن الصحافة الرسمية يجب أن تكون الرائدة في نقد النظام الذي تتبعه كتغذية راجعة FEED BACK له، إلى جانب أن أية صحيفة رسمية هي ملك للبلد وليس المؤسسة التابعة لها فقط، ولأن الناس جميعاً أنصاراً ومعارضين يشاركون في دعم الصحف الرسمية على شكل ضرائب تستقطع من مرتباتهم فلِمَ لا يكون لهم نصيب في نشر آرائهم على صدر تلك الصحف حتى ولو كانت تلك الآراء متصادمة مع آراء القائمين على الصحف نفسها، المهم عدم المساس بالثوابت الدينية والوطنية التي اتفق عليها الجميع. إنني أرى أن ما تقوم به «الجمهورية» اليوم هو المسار الطبيعي الذي يجب أن تسلكه أية صحيفة رسمية معبرة عن تطلعات كل فئات الشعب الذي تنبثق عنه وتخاطبه لا مجرد مستودع للتهاني والتعازي والإعلانات التي أثقلتها فحولتها إلى (سفرة) دائمة عند كل وجبة طعام؟! تحية ل«الجمهورية» ولأمثالها من صحفنا الرسمية وغير الرسمية التي تخطو بنا الخطوة الأولى على طريق السلطة الرابعة.. ولنذكر قول أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله: لكل زمان مضى آية وآية هذا الزمان الصحف لسان البلاد ونبض العباد وكهف الحقوق وحرب الجنف والجنف هو الميل عن الحَقِّ، قال الله تعالى جَلَّ ثناؤه: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفَاً} [البقرة 182]. والله أعلم