من النتائج التي كشفتها مراحل النضال الوطني على مستوى الفرد وعلى مستوى الحزب أو التكتل أن الثائر ضد الفساد والطغيان قد يتخذ الخطوات الثورية الفعلية حتى الخطوة قبل الأخيرة، ثم يعتريه الفشل في الخطوة الأخيرة المصيرية نتيجة لعدم الثقة في نفسه، لتعود به نزعته الحقيقية إلى خارج مسار الثورة وينطبق عليه الحديث الشريف (فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة حتى لم يعد بينه وبينها سوى ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها). فهذا ما وقع به بعض قادة اللقاء المشترك وشركائهم المسايرين لثورة اليمن التي كانت، وبوقوعهم وقعت بقية قياداتهم التي فوضتهم، فإذا استعرضنا مسيرة الثورة سنجد أن الخطوات السابقة لها كانت خطوات عملاقة مدروسة سارت في المسار الصحيح عندما كانت لا تزال بعيدة عن السلطة، ولهذا استجاب لها الشعب بكل فئاته حتى آخر خطوة أعادت الثورة إلى اللاثورة، وهي خطوة التوقيع على مبادرة الخليج التي قربت تقاسم السلطة، فهذه الخطوة أنست قيادات المشترك المهمة الرئيسية التي كانوا يهدفون إليها. ففي اللحظات الأخيرة لإسقاط النظام انهار مشروع المشترك بمجرد اقترابهم من السلطة حتى قيل أن رئيس نظام الحكم السابق كان أكثر رأفة بالقضاء على الثورة ممن كلفوا أنفسهم عناءها، ذلك أن توقيعه على التخلص منها جاء متأخرا عن توقيع المشترك بأكثر من سبعة شهور. وللأسف الشديد فإن رموز المشترك لم يستسلموا ويعلنوا فشل ثورتهم بل لا زالوا يتحدثون عن ثورة وصفة ثورة، وكأنها لا تزال في البداية التي تقبلنا بها إطلاق صفة الثورة على المسيرات التي عمت الشوارع والساحات وأقلقت النظام لبعض الوقت، فقد كنا مستبشرين بها إلى حد الثمالة، لكن المشكلة أنه كلما مر يوم جديد كلما قل قبولنا لوصف ما حدث بثورة. حتى الأشياء السطحية أو الشكلية للثورات لم تتحقق في أحداث اليمن، فكلما فكرنا في الكتابة عن نجاح الثورة التي كنا نحلم بها لم نجد نتائج ملموسة ولا غير ملموسة لما نعتبره ثورة، وكلما أعدنا النظر لا نجد أمامنا سوى بقية اعتصام ومعتصمين اكتفوا بحصولهم على سكن ولقمة عيش مجانية في أحد شوارع المدن مقابل الاستعراض بهم في صلاة يوم جمعة أو مسيرة في يوم أربعاء. فهل من حق تكتل المشترك وشركائه أن يظلوا مستمرين في إطلاق صفة الثورة على ما حدث بعد توقيع اتفاقية الخليج؟ نناقش هذا معهم لنقول لهم: أن الثورة كما نعلم ويعلمون هي التي تغير النظام السابق تغييرا جذريا بأشخاصه وعملته ونشيده الوطني، فلو عدنا قليلا إلى ما احتسبناه ثورة في سنة 1962 لوجدنا أنها حققت ما لم تحققه ثورة 2011 ذلك أن ثورة سبتمبر تخلصت من الإمام وكل ما له صلة بالإمام وأصبح من أول أيام الثورة خارج حدود اليمن، وإلى اليوم لم يسمح لأسرته بالعودة ولا حتى لجثامينهم، كما أن ثورة 1962 غيرت العملة وغيرت النشيد الوطني، وفوق هذا لا زال الكثيرون يعتبرونها انقلابا بسبب أنها لم تغير في نمط الحياة اليومية، كاحتكار الوظيفة العامة، ونقص الخدمات، وعدم حدوث التغيير السلمي للسلطة، ومستوى دخل الفرد إلى الأفضل، ولم تستطع حتى التخلص من أجرة العسكر، وهذه هي مبررات الفعل الثوري الأخير. فإذا جئنا إلى الفعل الثوري الأخير فسنجد أن الحد الأدنى لثورة سبتمبر المشكوك فيها لم يتحقق منه شيئ في هذه الثورة الجديدة، فجهاز الحكم قد حمل صفة التوافق مع المثور ضدهم، فهو هو في مجلس النواب الذي كان يجب أن يُحَل مباشرة، على الأقل لأنه منتهي الفترة حتى لو لم تقم ثورة، وفي مجلس الوزراء نجد نسبة 99% هم أولئك الذين استهلكهم نظام علي صالح، وفي القيادات العسكرية والأمنية التي قد تم تغييرها كذلك، بل أن تغيير الحكومة في نظام الحكم السابق كان يأتي بوجوه جديدة أكثر بكثير مما أتت بها حكومة الثورة التوافقية، وكذلك في مجلس القضاء، فرغم صدور قرارات جمهورية بتعيينات هنا وهناك إلا أن القرارات لا تختلف عن القرارات التي كانت تصدر قبل الثورة من حيث عدم الخروج من شبكة النظام السابق فهم المقالون وهم المعينون، فعندما نتابع أخبار وسائل الإعلام الرسمية نجد أن تلك الأسماء التي كانت تردد قبل الثورة هي نفسها أسماء بعد الثورة، حتى الانتخابات الشكلية لرئيس الجمهورية فإنها لم تقدم للشعب سوى مرشح وحيد نحن مجبرون على انتخابه من نفس طاقم نظام الحكم السابق بل من نفس فئته، فهو نائبه في رئاسة نظام حكمه وفي رئاسة نظام حزبه. وإذا كان ثمة تغير في توجهه فإنه تغير ناتج عن قناعة ذاتيه له لا نتيجة ثورية. ومن جهة أخرى فإن الثورات تغير جهاز الحكم السابق بالثوار وهذا لم يتم حتى في الحصة التي قيل أنها للثورة المشتركة، فلم نجد بينهم أي ثائر، أي أن التغيير تم بغير الثوار، بل من المندسين أو الملحقين بالثورة، فمن سبعة عشر وزيرا حصة المشترك وشركائه نجد اثني عشر منهم كانوا من قائمة النظام السابق إضافة إلى قائمته في هذه الحكومة، فماذا بقي للثورة؟ أنا اعتبر هذا الوضع نتيجة لقلة خبرة من كلفوا أنفسهم عناء الاختيار التي لم ترق إلى مستوى الثورة والثوار، إذ أن نظرتهم كانت محصورة في مَن أمامهم من جهاز حكم نظام علي صالح، ولم يرفعوا رؤوسهم إلى من شاركوا في الحوار الوطني وما قبله، وما بعده حتى تم إشعال الثورة كما أنهم لم يلتفتوا إلى كوادرهم في اللقاء المشترك بل انحصروا في أولئك المطرودين أو المدسوسين بين صفوفهم من النظام السابق. أي أن الذين اختاروا وزراء وقادة حصة المشترك لم يكونوا جديرين بهذه المهمة التي بينت قصر نظرهم إلى تحت أقدامهم بل إلى تحت أقدام النظام السابق. الاختيار هذا الذي تم من خارج سرب الثوار وكوادر المشترك يدل على نزعة فشل ذاتية عاجزة عن اتخاذ قرار يتناسب مع خطوات مراحل النضال، فتم الرجوع إلى قوائم النظام السابق لا إلى قوائم الثوار، هروبا من الفشل الذي قد ينتج عن اختيار غير موفق، فإذا هو هروب من فشل محتمل إلى فشل محقق. وفوق ذلك لا زالوا يتحدثون عن ثورة مزمنة على مراحل وهذه بالطبع مكابرة لم تعد لها أي نكهة، وكان الأجدر بهم أن يعلنوا فشل الثورة ويعتذرون لأولئك النسوة اللاتي أحرقن ملابسهن وبذلنا أنفسهن وأموالهن وكرامتهن في سبيل الثورة متقدمات صفوف المسيرات في مواكب أذهلت العالم وأبكت الوطن. الخلاصة انه لا شيء من بذور الثورة بقي، ولا شيء من ثمارها قطف، ومن هنا يؤسفنا أن نصل إلى أن النتيجة لكل ما حدث في اليمن ليست أكثر من صفر رغم تلك الدماء الزكية التي أسيلت، فلو أن الثورة لا تزال أملا لكان الوضع أفضل ألف مرة مما نحن فيه، فقد فرطنا في الأمل وفرغنا الاحتقان المتراكم منذ عشرات السنين لنبدأ في نفخ بالون جديد يبدأ بالعودة إلى الرهان بقضية الجعاشن التي سبقت الثورة ثم عادت بعد فشلها إلى باب مقر الحكومة كما كانت قبل ثورة المقلدين تطالب الإنصاف من الحكومة القديمة لا من الثورة، فعودة الاعتصامات الأسبوعية للقضايا السابقة للثورة إلى ساحة رئاسة الوزراء دليل كافٍ على موت الثورة وموت مؤسسة ذلك النشاط الأسبوعي الذي لم تعد له أي نكهة كما كان قبل الثورة المفرط بها، مؤشر آخر يدل على فشل الثورة وهو مؤشر تفكك أحزاب اللقاء المشترك على مستوى الساحات وعلى مستوى المركز كنتيجة حتمية لفشلهم، لأن النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، ومن هنا فأن الذين لا زالوا يتكلمون عن ثورة ليس لكلامهم أي معنى غير أنهم مماحكون لا يعترفون بالواقع، أما المواطن فيكفيه القول: بأنها كانت في اليمن ثورة .