خلال خطاباته الثلاثة الأخيرة لم ينس الأخ رئيس الجمهورية المشير عبد ربه منصور هادي التذكير بأهمية الاستقرار وضرورة ديمومة التسوية السياسية ، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتأتى إلا بتوافر عنصري تحسن الوضع الاقتصادي وترسيخ الأمن المجتمعي، حيث إن غياب أحدهما يؤثر على الآخر والعكس صحيح ، وهي معادلة من الطبيعي أن تتهيأ لها كافة الظروف الموضوعية والذاتية التي تمكن حكومة الوفاق الوطني التعاطي الايجابي معها. حتى الآن فإن مسيرة تنفيذ المبادرة الخليجية المزمنة تسير بصورة حسنة خاصة مع النتائج الإيجابية التي حققها مؤتمر المانحين في الرياض مؤخراً والذي خصص دعماً إضافياً بأكثر من ستة مليارات دولار لتأمين مسار التسوية حتى عام 2014م والتي ستهيئ الأرضية لتحقيق وانجاز التشريعات الجديدة وانتخابات مجلس النواب وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات فضلاً عن إعادة هيكلة مؤسستي الجيش والأمن ، وقبل كل هذا وذاك استكمال الحوار الوطني الشامل الذي يجري له الإعداد بصورة مرضية كما نوه إلى ذلك المبعوث الأممي جمال بن عمر مؤخراً.
وعلى الرغم من تلك التطمينات فإن مبعث القلق الحقيقي يتمثل - بالإضافة إلى تلك الصعوبات- في تمدد (القاعدة) الناجم عن الاختلالات الأمنية التي تلقي بظلال سلبية على أمن الداخل اليمني ومحيطه الجغرافي خاصة إذا ما عرفنا بان اليمن يحتل موقعاً استراتيجياً حيوياً في جنوب شبه الجزيرة العربية وعلى امتداد البحرين العربي والأحمر، فضلا عن موقعه المطل على مضيق باب المندب، وهو الموقع الاستراتيجي الذي يسيل له لعاب بعض القوى الإقليمية التي لها حساباتها الخاصة مع دول المنطقة ، وتحديدا في هذا الظرف الإقليمي الدقيق الذي تتنازع فيه هذه القوى للبحث عن موطئ قدم لفرض هيمنتها واستعراض قوتها العسكرية ، ويتجلى ذلك بصورة واضحة في التجاذبات الإقليمية والدولية الراهنة حول المسألة السورية مما ينذر بتداعيات خطيرة على مستوى دول المنطقة ، ومخاطر إعادة تقسيمها واستلاب ثرواتها. وتبعاً لكل ذلك فإن هجمة القاعدة واستفحال خطرها في اليمن ليس بمعزل عن تلك التداعيات الإقليمية خاصة بعد المعلومات التي كشف عنها رئيس الجمهورية في خطابه الأخير حول طبيعة التنشئة العقائدية لفئات عمرية معينة وبما يمكنها من تنفيذ مهامها الجهادية في قتل البشر وهي تعتقد مخطئة بأن ذلك يقودها إلى الاقتران بحور العين في الجنة « ! » . يضاف إلى ما كشفه الرجل بنبرة غضب في وقت سابق من معلومات عن الدعم المادي واللوجستي لبعض القوى الإقليمية التي تسعى جاهدة لإثارة الفوضى وإحداث الشغب في عدد غير قليل من محافظات الجمهورية .. ولاشك أن كل تلك العوامل مترابطة تدفع إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مجمل تلك العوامل الداخلية و الخارجية كونها في الأول و الأخير تستهدف زعزعة الأمن و الاستقرار ، وتعمل على إرباك مسار التسوية السياسية وتعطيل تنفيذ مضامين المبادرة الخليجية المزمنة وإحباط حالة الوفاق الوطني التي أجمع عليها كافة اليمنيين بمؤازرة مخلصة وصادقة من الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك الأسرة الدولية بأكملها ، وهو ما يجعلنا نجدد الدعوة إلى أهمية تضافر الجهود الوطنية للوقوف في وجه تلك التحديات حتى يتمكن اليمن من تحقيق تطلعاته في الأمن و الاستقرار و التنمية ، وهو- بالتأكيد- أمر مرهون بتوافق مختلف الأفرقاء على الساحة سواء داخل الائتلاف الحكومي أو خارجه و العمل سوياً على رفض كل تقاطع أو اختلاف خاصة ونحن نعرف أن بعض هذه القوى تحاول إعادة إنتاج المشكلات المجتمعية وإثارة الفوضى وتعطيل الحياة العامة من خلال استهداف اللحمة الوطنية وكذلك تكبيد الوطن الكثير من الخسائر المادية من خلال تفجير أنابيب النفط والشبكة الكهربية وافتعال الاختناقات التموينية والسعرية إلى ما هنالك من مشكلات يومية ينبغي التنبه إليها، باستنهاض الوعي الوطني للحيلولة دون استفحال المخاطر المحدقة باليمن والنأي به كذلك عن شرارة التداعيات المخيمة في سماء المنطقة ككل وإمكانية انسحابها على الداخل الوطني. ومن نافلة القول التذكير بأهمية التأكيد على ضرورة الاصطفاف إلى جانب رئيس الجمهورية المشير عبده ربه منصور هادي في جهوده الدؤوبة و المخلصة لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية التي نصت عليها المبادرة الخليجية إزاء التسوية السياسية و بما يعنيه ذلك من تجنيب اليمن مغبة الوقوع في شرنقة الاقتتال والتناحر والتشرذم والتشظي، خاصة أن الجميع يدركون أنهم على ظهر سفينة واحدة، إذ إن عليهم متكاتفين الإبحار بها إلى بر الأمان والطمأنينة ، ولتكن عدتهم إلى ذلك سلاح الوفاق والاتفاق و الحوار الجاد و المثمر للتوصل إلى صيغة شاملة ومانعة ومرضية تأخذ بعين الاعتبار مختلف الآراء والاجتهادات وكافة عناصر وخصوصيات التركيبة الاجتماعية بتعدد جغرافيتها.. ولا أقول بتعدد هويتها وثقافتها التي تجمع عليها حقائق التاريخ والجغرافيا المؤكدة على أنها تنطلق من ذات النبع الواحد المتدفق في مجرى سيرورة اليمن في مختلف الظروف و المراحل. ولكل ذلك كان الرئيس عبده ربه منصور هادي غاضباً وهو يحذر دوماً من مخاطر تلك الأوضاع وما يمكن أن تؤول إليه في حال استمرار هذا النزوع الأناني لبعض القوى في محاولتها لاختراق مسار التسوية السياسية وتعطيل جهود الوفاق الوطني وذلك بهدف الإخلال بكامل الالتزامات والاستحقاقات التي تعهدت جميع الأطراف المعنية بالأزمة الدخول في معترك حلها دون ضرر ولا ضرار!!