هل هدأت العاصفة ؟ هل انحسرت الموجة ؟ هل تبخّر الانفعال الذي سيطر علينا طيلة الأيام الماضية ؟ ولأن الأوان للتفكير الذي يلزم عدم الانفعال لان الإنسان المنفعل لا يفكر ولا يصدر الا قرارات هوجاء. دعونا نراجع الأمر برمته.. سرت ضجة كبيرة حول فيلم أنتج في أمريكا يسيء إلى نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام ، بعدها تحركت الجموع الغاضبة في اغلب العواصم الإسلامية ..تحركت لكي تعبّر عن استيائها جراء ما حدث لكن إلى أين كانت البوصلة تشير في كل عاصمة ؟ إنها السفارة الأمريكية الهدف المنشود لتبدأ (غزوة السفارة) على غرار (غزوة منهاتن ) التي تطل ذكراها –ليس مصادفة طبعا- في نفس توقيت الغزوة الأخيرة ؟! وبدأت عدسات القنوات الإخبارية ترصد الأحداث التي تجري في محيط السفارات الأمريكية في كل عاصمة غاضبة لأنه لم يكن إلا الغضب هو الشعور المسيطر على الموقف فكان نتيجة ذلك مقتل السفير الأمريكي في ليبيا واقتحام السفارة في مصر ونهب محتوياتها في اليمن …الخ ، كل هذا تحت شعار ( إلا رسول الله)؟! …إن هذه الأحداث – من وجهة نظري– كانت المحك الذي تُختبر عليه دولنا العربية خصوصا دول (الربيع العربي) هل كانت ردة الفعل تلك بقدر (التغيير) الذي لف تلك الدول? أقول – بكل أسف – لا ، فقد تصرفت الجماهير الغاضبة بنفس الطريقة السابقة التي تصرفت بها في عهد الأنظمة السابقة التي خرجت ضدها ، وكأن شيئا لم يكن ؟ الوعي بالتاريخ …نحن إذ ننسى فلا ينسى التاريخ أن هذه الإساءة ليست الأولى فما زال صدى الرسوم الدنمركية سيئة الصيت عام 2002م يتردد بكل قبح في آذان التاريخ ، ناهيك عن تدنيس القران الكريم في أكثر من موضع خلال الأعوام المنصرمة ..سأكون خارج المألوف وأقول أنا هنا لا ألوم الذين قاموا بهذا العمل المشين تجاه رسول الإنسانية لأن العدو مفسرٌ بعدائه- كما يقول الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد - وهذا ديدن المسيئين لنبي الإسلام طيلة التاريخ منذ البعثة الشريفة وحتى قيام الساعة، ولا ننسى أن الغرب يتعامل معنا ضمن صراع الحضارات الذي أطلقه صموئيل هنتنجتون.. فاللوم لهم مجرد تحصيل حاصل ؟! لكن اللوم يصب على رؤوس النخب عندنا وكذلك شعوبنا التي لا تتحرك إلا ضمن دائرة ردة الفعل وهذا ليس غريبا ممن يقرأون التاريخ على طريقة ألف ليلة وليلة وليس للوعي بالتاريخ وهذا ما جعل شعوبنا بلا ذاكرة بعد أن فقدتها ذات يوم .. نحن باحتجاجنا الذي صورته وسائل الإعلام مثل هجمات البرابرة القادمين من أدغال التاريخ نجعل العالم يلتفت إلى طريقة الاحتجاج وربما ينسى أو يتناسى الإساءة إلى الرسول الكريم.. أنا لا أقول للجموع الغاضبة لا تحتجوا ولا تتظاهروا …أبدا ، لكن أسلوب الاحتجاج الحضاري هو الأقوى وصولا إلى آذان العالم وأجدى مما رأيناه في نشرات الأخبار … أليس في كل بلد مسلم هناك وزارة اسمها (الخارجية) التي كان المفروض أن تتقدم بمذكرة رسمية شديدة اللهجة للخارجية الأمريكية بشأن الإساءة لنبينا الكريم ، وماذا بشأن منظمة المؤتمر الإسلامي أين تحركها الدبلوماسي استنكارا لما حدث ؟ كل هذه الخطوات الرسمية أما كان القيام بها أجدى لنا وأليق ؟ أما شعوبنا الغاضبة ماذا عليهم لو قفوا في مظاهرة (سلمية) أمام مبنى السفارة الأمريكية رافعين شعاراتهم الاحتجاجية وبياناتهم الغاضبة بكل حضارة وعظمة تليق بمقام النبي الكريم في ذاكرة التاريخ بدلا مما جرى؟
خطاب الإسلام الحضاري …إن هذه الإساءة لن تكون الأخيرة ما دمنا دولا في ذيل القائمة العالمية في هذا الزمان ، فلو كنا أصحاب حضارة (مادية) مرهوبة الجانب ما داس لنا أحد على طرف ولا أُسيء إلى نبينا ولا قرآننا ولا أيا من مقدساتنا ، لكن نظرة إلى أحوالنا تأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوّد. جامعاتنا بينها وبين روح البحث العلمي مسافة ثلاث سنوات ضوئية. اقتصادنا أرقامه اصدق أنباء من كل تقرير. أوطاننا غارقة في بيروقراطية مفرطة أهلكت الحرث والنسل . صراعاتنا التاريخية ما زلنا نجترها منذ ألف وأربعمائة عام . فإلى كل مسلم يريد أن ينصر نبيه - وكلنا ذاك المسلم – هل انتصرت على نفسك وأهوائها وتخاذلك كي تكون جديرا بنصرة نبينك الكريم ؟ فمنْ لم ينصر نفسه ولا مجتمعه ولا أمته فلن ينصر نبيه ؟ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. إلى كل دعاتنا أين خطاب الإسلام الحضاري لا الوعظي ولا الزهدي ولا الإرشادي الذي غرقنا فيه حتى النخاع. نريد خطابا يبني ولا يهدم. نريد فكرا يجمع الناس ولا يفرقهم . هكذا سننصر نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام ، أما الشعارات- وما أكثرها في هذا الزمان- فما أسهل أن نطلقها لكن العمل هو ممحص لكل شعار ، ولله در المتنبي اذ يقول : ذي المَعَالي فلْيَعْلُوَنْ مَن تَعَالى هَكَذا هَكَذا وَإلاّ فَلا لا أما إذا ظللنا على محك ردة الفعل لكل قاصمة تأتينا من الشرق أو الغرب تمس أيا من مقدساتنا فلن نكون إلا ضجيجا لا يُلتفت إليه والله المستعان..