وجود القبيلة كتسمية شيء لا يعاب عليها ،كما ان انتماء الناس لها اسميا لا ضير فيه ولن نختلف معه ، لكن عندما تتحول القبيلة الى تكتل مضاد للدولة وعصبية، ويكون “داعي القبيلة” هو الاصل في التعامل، هنا تصبح عبئا على المجتمع ، كما ان تضخيم دور القبيلة لتساوي الدولة او تساوي مكونات الدولة كالاحزاب فيه خطر حقيقي على وجود الدولة.القبيلة في اليمن ليست بكل السوء الذي يحاول الترويج له البعض، ولنكن منصفين في القول بأن لها مزايا قليلة وعيوبا اكثر ،اهمها التعصب الاعمى للقبيلة حتى لو كان ضد مصلحة الدولة والأمة. نجحت بعض الأحزاب اليمنية في تسييس القبيلة وربطها بالحزبية والعمل السياسي، وان كانت هذه حسنة إلا أن القبيلة تعصبت في مجموعها للحزب حول الحسنة الى سئية، ومع ذلك فإن الكثير من ابناء القبائل انتموا سياسيا وصاروا قياديين في احزابهم ،وصار الهم الوطني عندهم يغلب على الهم القبلي ، وهذه ميزة وتقدم كبير. في الثورة السلمية كان للقبيلة دور مميز في الانخراط في العمل الثوري السلمي، وخيبت القبيلة ظن الاستبداد بموقفها الثوري. والآن لسنا بحاجة الى اعطاء القبيلة مكافأة لانضمامها للثورة ،ولا اظهار العداء لها ، وما يهمنا هو تمدينها ، وهذا هو الحل بدلا من لعنها أو التفكير بالصدام معها، فتمدينها هو من سيخرجها من كل سوء نراه فيها ،وهو افضل تقويم لما فيها من خلل وعيب ونقص. لقد أقر الاسلام وجود القبيلة وربط وجودها بالتعارف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) “الحجرات” والتعارف هنا يقتضي التمازج والتعاون والتشارك،ويشير الى التنوع والتعدد وهو امر ضروري لانطلاق أي مجتمع ولبناء اي دولة،وهو المطلوب اليوم. كما ان الاسلام ألغى التعصب للقبيلة ودعا الناس الى التخلص من صفات التعصب الجاهلية .. وامر النبي عليه الصلاة والسلام القبائل بالقدوم عليه في عاصمة دولة الاسلام المدينةالمنورة التي كان يقودها بنفسه عليه الصلاة والسلام، حتى يتخلصوا من البداوة ومن عاداتهم، ويتكيفوا مع المجتمع الذي صنعه ، وليكونوا اساس الحضارة الاسلامية التي ابتدئت من المدينة ، وان يشاركوا في بناء الأمة ونهضتها، باختصار الاسلام انهى التعصب القبلي ولم ينه القبيلة كتسمية قابلة للتعارف. الدولة المدنية التي نطمح اليها تقتضي منا جميعا السعي الى مشروع متكامل لتمدين القبيلة، وتمدين القبيلة مشروع طموح يجب ان يتبناه الفكر السليم في البلد وتتبناه الدولة والاحزاب ، وبه نستطيع نزع الفتيل الذي يمثله تعصب كل لقبيلته واسرته وقريته ومذهبه وعلى ان يكون الانتماء للمشروع العام وهو الدولة والتي تضم امتنا اليمنية بكل من فيها. اننا بحاجة خاصة كيمنيين مدنيين وقبليين مستقلين وحزبيين الى الانتساب الفعلي للدولة لا الانتساب الى قرانا ومدننا وقبائلنا، فالدولة اليمنية هي امنا جميعا، والانتساب الى العصبيات الضيقة كالمذهب او القبيلة او السلالة هي مجرد مضيعة للوقت والجهد، ودعاة للتعصب الممقوت، فالانتماء للنسب شيء خرافي بل و”وهمي لا حقيقة له” على رأي ابن خلدون وهو الذي تفرد بالدعوة للتعصب للقبيلة لأجل بناء الدولة وخالف.. فهم الأمة في هذه النقطة بالتحديد الا انه رأي .. مسألة النسب الواحد غير صحيحة لأن اختلاط انساب القبائل والناس هو الذي حدث من بداية الخليقة الى اليوم،وهنا تكفينا الاشارة الى ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: “كلكم لآدم وآدم من تراب” للخروج من ازمة التعصب للقبيلة والنسب ،وهنا اختصر عليه الصلاة والسلام علينا الطريق ووضع حد للعصبيات القبلية والسلالية التي تفرق بين الناس. ان مشروع بناء الدولة يحتم علينا جميعا تجاوز العصبيات القبلية والمناطقية والمذهبية، والتي تتنافى مع مشروع الدولة، وقد جربت اليمن تلك العصبيات المقيتة ،وكل منها خذل البلد بطريقته بحثا عن مكاسبه الخاصة. وعلى اية حال فإن وجود الاحزاب والتكتلات السياسة واهمها اللقاء المشترك يساعدنا جميعا على تجاوز العصبيات السابقة الذكر ،وهو الطريق المدني للخروج منها، والذي سينقلنا من دولة القبيلة الى دولة الشعب الحديثة التمدين.