يجدر الإشارة في البداية أن التعاطف مع ضحايا الكوارث “الطبيعية” سمة جبلت عليها النفس الإنسانية، لا تتغير بتغير العصور ولا تتبدل بتبدل الأحوال. ويكون التعاطف أشد عندما تمس الكارثة الشعوب، ويكون أشد عندما تكون هذه الشعوب فقيرة وضعيفة. فهذا، إذن، أمر طبيعي وعادي جدا. وعندما تحل الكوارث لا يجب أن يلتفت الناس إلى إيديولوجية أو هوية أو ثقافة “ الضحية”؛ سواء كانت هذه الضحية دولة أم شعبا , إذ إن حلول الكارثة يلغي التفكير المستند إلى حسابات المادة واختلاف الفكرة والتوجه الذي عليه ضحية تلك الكارثة , فيصبح الظهور بمظهر التعالي واجتلاب الخلافات السياسية ضرباً من العبث , ذلك أن البعد الانساني يطغى على كل التحيزات والاستقطابات الطاغية على المرحلة وافرازاتها . يفترض أن ما أسلفنا يكون دالة يتم الاستناد عليه في التعامل مع كل الكوارث الطبيعة أو الكوارث الانسانية بشكل أشمل وأعم , لا أن تتحول تلك المساعدات إلى حسابات النفاق السياسي والمقايضة على ملفات لا تتعلق من قريب أو بعيد بتلك الكارثة التي حلت على تلك المنطقة أو ذلك البلد . إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن البعد الأخلاقي لا يتحكم بسيرورة العلاقات الدولية في طبعتها الحالية . في الآونة الأخيرة احتلت أخبار الإعصار ساندي الذي يضرب السواحل الشرقية للولايات المتحدة صدارة الاهتمام الاعلامي الأبرز على مستوى العالم , وبطبيعة الحال فإن هذا الاهتمام سرعان ما سينسحب على المنطقة العربية التي شهدت وتشهد هي الأخرى أعاصير من نوع الآخر لم تحظ بأعشار ذلك الاهتمام الانساني (المفرط) , ذلك أن كل ما يحدث لا يلغي الإنسانية المزيفة التي تتقمصها الزعامات العربية مع تلك الأحداث . حتى اللحظة لم يُفتح المجال للمساعدات الانسانية التي ستتدفق على ضحايا (ساندي) لكن باستقراء سريع وخاطف لما حدث مع اعصار كاترينا الذي ضرب المناطق الجنوبية من الولاياتالمتحدة في ال 2005 سيُعطي القارئ تصوراً مبدئياً عما يمكن حدوثة مع ساندي . فور انتهاء كاترينا من مهمته لم تتوان زعامات الدول العربية على وجه الخصوص في اثبات مدى (انسانيتها) ومشاعرها الفياضة تجاه اولئك الضحايا - الذين كان بإمكانهم الاكتفاء بميزة التأمين التي يتمتع بها المواطن الأمريكي لتعويض ما لحقه من أضرار نتيجة أي كارثة طبيعية تحل به – الكرم العربي الباذخ لم يكن إلا صورة من صور العبث واللامسوؤلية التي نعيشها في منطقتنا العربية فدولة كتونس تعيش نسبة كبيرة من خريجي جامعاتها على رصيف البطالة والفقر ترسل طائرتين محملتين بأكثر من عشرين طناً من الأغطية والخيام والأغذية . لم تكن تونس بحاجة لإرسال كل هذا الكم من الأغطية والخيام , فشركة (آرمكو) السعودية تكفلت - يومها - ببناء 150 فيللا للمتضررين من ذلك الإعصار وكأن كاترينا جاء ليُسكن أولئك المتضررين فللا فارهة بدلاً من الشقق الضيقة التي اعتادها المواطن الأميركي, هذا عوضاً عن مبلغ المليار دولار الذي اعتمد كمساعدة انسانية من المملكة السعودية لنفس الغرض ، أضف إلى ذلك المساعدات المقدمة من كل من الكويت وقطر والإمارات والبحرين التي بلغت قرابة المليار دولار بالإضافة إلى المساعدات العينية . وليس بعيداً عن آبار النفط التي ضخت تلك المليارات لمساعدة منكوبي كاترينا كان قطاع غزة بعد حرب الرصاص المسكوب عليه في نهاية 2009 ينتظر لفتة انسانية ليعيد إعمار ما خلفته آلة الدمار الاسرائيلي التي طالت كل شبر فيه , لكن الغزاويون اكتفوا بمشاهدة مؤتمرات القمة العربية التي باعت لهم الوهم وطحنت من أجلهم الهواء , وانفض المؤتمرون يتبادلون الابتسامات ويتحدثون عن هذا الانجاز الوهمي بينما في حالة كاترينا لم يبت أي منهم إلا بعد ان اطمأن على وصول تلك الملايين من الدولارات إلى مستحقيها في بلاد العم سام ذلك أن الضمير الانساني سيحرمه النوم الهانئ بينما كاترينا يحصد عشرات البشر هناك ويشردهم في العراء . حتى فجر الأربعاء (نهاية أكتوبر المنصرم) أعلنت السلطات الأمريكية أن الإعصار “ساندي” حصد 101 قتيل، منذ أن ضرب السواحل الشرقية للبلاد قبل أيام , لا يمكن تجاوز هذا الرقم من الأرواح التي ذهبت جرّاء تلك الكارثة لأن الإنسانية التي نشترك وإياهم فيها تضع العالم أمام مهمة أخلاقية لتفادي تضاعف تلك الأعداد التي يحصدها الاعصار هناك . لكننا والعالم – أيضاً – أمام مهمة أخلاقية أشد وأكثر إلحاحاً فيما يخص شلالات الدم التي تجري في سوريا على يد حاكميه , إذ يحصد النظام هناك يومياً أضعاف ما فعله (ساندي) منذ أسبوع كروتين يومي اعتاد مزاولته منذ بداية الثورة هناك , إذ يبلغ المتوسط اليومي للتوابيت في سوريا أكثر من 150 قتيلاً ومئات الجرحى . تبدو المقارنة هنا جُرماً بحد ذاته , فلا يمكن بحال أن نضع ما يحدث لسواحل أمريكا الشرقية بالتوازي مع المذابح في سوريا , ففي حالة (ساندي) كل ما يحدث يقع خارج نطاق القدرة البشرية على تفاديه , بينما في سوريا يقف العالم بهيئاته وأممه المتحدة ومجلس الأمن مكتوفي الأيدي حيال ما يسافحه نظام لم يفعل حياله أكثر من التلويح بعقوبات لا تفعل أكثر من إعطاء فرصة لاستمرار القتل وزيادة أعداد الوافدين إلى باطن الأرض . وبعيداً عن سوريا ؛ نسمع - بالأمس القريب - رئيس بورما (نفسه) يصرح بأن موجات التطهير العرقي في قرية “كيوك بيا” وحدها والتي تقع غربي البلاد وخلال 24 ساعة فقط يُقتل أكثر من (112 ) من مسلمي الروهينجا وتُدمّر أكثر من 300 منزل , يحدث هذا في قرية واحدة , بينما تتحدث الكثير من المنظمات الانسانية عن أكثر من 22 ألفاً من مسلمي الروهينجا قتلوا نتيجة موجة التصفية العرقية التي تطالهم منذ منتصف العام الفائت وأضعافهم من المشردين من منازلهم . باستثناء زيارة رئيس وزراء تركيا وبيانات المنظمات الانسانية؛ تعاملت كل الزعامات الاسلامية والعربية ومعها المجتمع الدولي مع قضية الروهينجا باستحياء شديد , وكأن كل تلك الدماء التي تسفك لم تكن كافية لتقويض بعض تلك الحسابات الانتهازية التي تتحكم في مآلات هذا الكوكب ورقاب ساكنيه . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=459905227381891&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater