يخلط كثير من الناس بين هذين اللفظين، على اعتبار أنهما يحملان ذات المعنى, ويتصلان بشخصية تقف على رأس الهرم الإداري, السياسي, الاجتماعي, الاقتصادي, أو الجماهيري, بوظيفة عامة, أو موقع مجتمعي.. وهو خلط لا شك يغمط المعنى الحقيقي لكل منهما, فالقائد له سماته ومواصفاته والإداري له سماته ومواصفاته. القاعدة المعروفة لدى أهل العلم والاختصاص هي: ليس كل قائد إدارياً, وليس كل إداري قائداً, ومع ذلك قد يجتمعان في شخص واحد هو شخص القائد الذي تمكنه خصاله من تسيير الشئون المتصلة بها على نحو أكثر التزاماً وانتظاماً, تقديراً لجماهيره انطلاقاً من المسئولية الأخلاقية والقيمية التي تربطه بهم, ولا ينطلق من التزام مادي ومن مصلحة أو منفعة من أي نوع أو مستوى أو درجة. فمتى ما كان الالتزام قائماً على أساس المصلحة فهذا يعني أن الشخصية الأولى إدارية يقوم عملها على أساس مبدأ الثواب والعقاب وعلى قاعدة التقويم للأداء. وإذا ما تمكن المرء من أسر المحيطين به بدفء العلاقة وعمق التقدير الأدبي لهم من زاوية تقدير شخوصهم الإنسانية وشخصياتهم المنسجمة وقيم الانتماء والولاء للقيم والمبادئ التي يملكها القائد, وتمكن أيضاً من وضع معايير للتقويم, ورفع المعنويات والحماس لديهم وتابع أدائهم اليومي في هذا السياق فهو قد تمكن من الجمع بين القائد والمدير. القائد يقبل عليه الناس بعفوية وحب وتلقائية قيمية لا تقف وراء ذلك مصلحة خاصة وعائد مادي أو ترقية أو ما شابه ذلك, بل نجد المحبين للقائد يقدمون على التضحية والفداء والعمل الدؤوب المخلص برقابة من أعماق ذواتهم وإيمانهم الشديد بهذا القائد المعبر عن طموحاتهم وآمالهم والمملوء بقيمهم والأكثر استعداداً للبذل والعطاء وبلا حدود, يقدس المصلحة العامة ولا يتردد وبدون تكلف أو مراء أو سمعة من تقديم خدماته, بل نراه مبادراً متحسساً لهموم جماهيره, عاملاً على معالجتها, باذلاً الوقت والجهد والمال لتحقيقها.. القائد وقته, جهده, ماله, للناس لكنه لا يوزع عطايا ليكسب ود الناس وحبهم, ولا يميز بين من يحيط به ويتفاعل معه, يضعهم جميعاً في عين واحدة, ويحرص على أن يرضيهم جميعاً بدون ابتذال, ولا إسفاف أو مجاملات أو تقريب غير معلن لبعضهم, أو إقصاء غير معلن لبعض آخر, باختصار القائد نقاؤه على وجهه, صفاؤه على جبينه, سلامة نيته في عينيه، وعلى شفتيه ابتسامه لا يمكن أن تكون صفراء ولا يمكن أن تكون إلا من قلبه, القائد أول من يضحي وآخر من يستفيد إذا تحقق له ذلك, فكثير من القادة ماتوا وهم لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً, ولكنهم لم يموتوا في ذاكرة وقلوب الناس, بل تتنامى وتتعمق محبتهم, ينقلها السلف إلى الخلف, وتتباهى بها الأجيال, فكم من الإداريين عرفهم اليمانيون بل والإنسانية, ولكنهم غابوا بغياب أرواحهم وانتقالهم إلى الحياة الأخرى, في حين مانزال ندرس ونفتخر بالقادة الذين عرفتهم البشرية. القائد مقيد بحب الناس, وقيم المجتمع, وتطلعات الجماهير, والمنافع العامة, والإداري مقيد بضوابط إدارية وقانونية, وإجراءات تراتبية, ومعايير أداء, ومعايير تقويم الأداء..واستحقاقات مالية ووظيفية وفق مؤهلاته وخبراته.. القائد لا تحفظه السلطة, ولا يحميه الجاه, ولا يرفعه المال, القائد تحفظه قلوب الناس وتحميه أعماله الحيّة في تلك القلوب, ويرفعه تواضعه وإيمانه أنه من الناس وإليهم, وحياته بهم تكتسب المعاني, ومنهم تستمر عطاءاته. القائد هو ذلك الذي يسعى إلى توليد نقط الضوء وتوسيع رقعتها, ويحرص على إقرار الحقوق وإمضاء العدل, وتحسس هموم الناس دون أن ينتظرهم يقرعون بابه, القائد لا حجاب له ولا حماة في أبوابه, فأبوابه مشرعة, والحماية يحققها إخلاصه وتعامله المنصف «حكمت فعدلت فأمنت فنمت». الإداري المرتعش غير الحكيم الباحث عن الضوء والمجد من غير مسالكه, هو من يخاف, ويحيط نفسه بحمايات وأسوار وحجّاب, ويجعل مجالسه مغلقة, وبطانته ضيقة, وآذانه مفتوحة للوشاية والتقارير الكيدية, ينظر إلى الأمور من زاوية ضيقة, ومن ثقب باب مكتبه, ومن خلاصة استماعه للوشاة والمخبرين والمتزلفين والباحثين عن المنافع والأدوار والوجاهة والسلطة والمال... ومن يحبه الله يجمع بين القيادة, والإدارة الحكيمة. والله من وراء القصد،،، رابط المقال على الفيس بوك