إن التنبؤ بأحداث المستقبل لا يأتي من فراغ، بل من خلال تجارب حدثت وأحدثت آثاراً مازالت موجودة على أرض الواقع، ولذلك يستطيع الباحث المتعمق والمفكر المستنير أن يتوقع حدوث أمور في المستقبل قد تضر الحياة السياسية وتعيق النهوض الحضاري الإنساني الذي يسعى الجميع إلى تحقيقه. ومن أجل ذلك فإن عملية بناء الدستور تحتاج إلى التوقع والتنبؤ بما يمكن أن يؤثر سلباً في الحياة السياسية، ولتلافي ذلك فإنه بالإمكان وضع المعالجات الدستورية من خلال النصوص التي تمنع حدوث أو تعالج المشكلة بدلاً من الوقوف موقف المتفرج والعاجز الذي لا يمتلك وسيلة المعالجة. لقد بينت أحداث الماضي أساليب الحياة السياسية، وظهر السلبي والإيجابي فيها، وبات على المشرع أو واضع الأسس الدستورية أن يكون على علم بتلك الأحداث وكيفية حدوثها والمثالب التي تقع فيها الحياة السياسية، وكيف تستغل من بعض القوى السياسية لتحقيق غايات ذاتية بعيدة عن رغبة الإرادة الكلية للشعب، وهنا ينبغي إيجاد النصوص الدستورية التي تحول دون ذلك، فمثلاً الجمع بين عضوية مجلس الوزراء والنواب واحدة من المخاطر التي يمكن أن تجعل فئة معينة أو شريحة معينة تسيطر على الحياة السياسية، ولكي لا نقع في المحذور يمكن النص على عدم الجمع بينها. إن المعالجات الدستورية من خلال النصوص الموضحة وغير المطاطة والقابلة للتفسيرات المتعددة واحدة من أهم القضايا التي ينبغي الاهتمام بها عند بناء الدستور، بحيث يأتي الدستور واضحاً لا يحتمل التأويلات المتعددة التي تثير جدلاً لا يحقق المصلحة العليا للوطن، ويعيق التطبيق ويعطل الإجراءات الدستورية، ويؤخر إنجاز المهام، ويخلق الأزمات التي تؤخر الحياة السياسية. إن القول بأن النظام النيابي هو الأكثر قرباً لإرادة الشعب لا يمانع من الأخذ بالخصوصية البشرية المتعلقة بالمكون البشري لسكان المكونات الجغرافية، وتأتي بعض المعالجات من خلال النصوص الدستورية التي تقوي الضمانات اللازمة للاستقرار وتمنع حدوث استغلال الصلاحيات التي تنحرف من الصالح العام إلى الصالح الخاص، ولذلك فإن النظام النيابي مع قوة رئيس الدولة الدستورية اعتقد أنها الأكثر ضماناً للحياة الدستورية لمنعها من التعثر والاستغلال غير السليم، وهو ماسنتناوله في العدد القادم بإذن الله. رابط المقال على الفيس بوك