شهدت الساحة الوطنية خلال العامين المنصرمين ثورة إعلامية غير مسبوقة من حيث تعدد الإصدارات الصحفية وحجم وطبيعة تناولاتها، فضلاً عن ظهور العديد من القنوات التلفازية والإذاعية وعدد من الإذاعات واتساع قاعدة الصحافة الإلكترونية.. وكلها – رغم أهميتها – بحاجة إلى إجراء مراجعة شاملة للتشريعات القانونية القائمة ووضع تشريعات جديدة تكفل الحريات، وفي نفس الوقت تنظم هذا الأداء الذي يفترض أن يكون مسئولاً أيضاً تجاه تلك القضايا والموضوعات التي تثير الأحقاد والضغائن وإذكاء النعرات القبلية والطائفية والجهوية والمذهبية. لقد تمتعت وسائل الأعلام المحلية في الآونة الأخيرة بحرية شبه كاملة في تناول مختلف تلك القضايا دون سقوف أو رقابة إلا من رقابة الضمير.. وهو ما يفترض أن تلتقي الأسرة الإعلامية والجهات ذات العلاقة بشأنه لتناقش فيه مجمل تلك القضايا وبما لا يرتب أعباء إضافية على وحدة ونسيج المجتمع، وهو الحوار الذي يضمن في نفس الوقت كفالة الحريات الإعلامية التي تستجيب لتطلعات وطموحات الناس في التعبير عن آرائهم وقناعاتهم وانتقاد كافة الظواهر والاختلالات السلبية في مؤسسات المجتمع تأصيلاً لحقيقة أن الإعلام سلطة رابعة مسؤوليتها التقويم والتصحيح والإخبار دون احتكار أو منع.
وبالمناسبة فإنني أعرف بأن هناك مشروعاً لتنظيم البث الإذاعي والتلفازي مطروح أمام مجلس النواب لمناقشته وإثرائه قبل إقراره.. وقد حان الوقت لدعوة الإخوة النواب إلى سرعة إدراج هذا المشروع في جدول أعمالة لهذه الفترة لما يقتضيه من أهمية تتطلبها هذه المرحلة المتسمة بشيوع مناخات الحرية والديمقراطية ولما تتطلبه – كذلك – من ترجمة فعلية للانفراج السياسي، والمتطلبات التي تفرضها مناخات وأجواء الحوار الوطني من الحرص على تعزيز القواسم المشتركة بين مختلف القوى السياسية والحزبية على الساحة الوطنية، يكون للإعلام الدور البارز في تأصيل وترسيخ هذه القيم.
أعترف -ومع مرور الوقت -بأن التجربة تتطور بشكل إيجابي، حيث تسقط عنها تلك الشوائب والعوالق السلبية.. وأعرف أكثر أن المتلقي للخطاب الإعلامي نبيه ويتسم بالذكاء الذي يجعله يفرق بين الغث والسمين.. وقد خبرنا – فعلاً – الفترة الأخيرة التي أنتجت إعلاماً ناضجاً ومسئولاً يتسم بالإبداع والخلق والموضوعية وعلى نحو خاص مع تعدد المنابر الإعلامية ، لكنه في نفس الوقت مطلوب من الجميع الارتقاء بهَ وتحويله من – مجرد – خطاب إعلامي يعتمد على الفردية والاجتهادات الشخصية مما يعرضه لأية انتكاسة تحد من دورة والعمل الجاد والمشترك إلى تحويله إلى إعلام مؤسسي يستفيد من تجارب الآخرين ويستطيع – بالتالي – القيام بتأدية الرسالة الإعلامية بمعايير الكفاءة والإبداع وعلى نحو أن تصل أهداف هذه الرسالة إلى متلقيها سواءً في الداخل أو على مستوى الخارج.. وهذه – بالطبع – مسؤولية تتجاوز مسألة الاجتهاد الشخصي إلى قيام مثل هذه المؤسسات التي نعول عليها كثيراً في أن تكون بمثابة المخرج الموضوعي لكل التحديات التي واجهها الإعلام المحلي راهناً أو في المستقبل.
وعلى الرغم من التفاؤل بالرسالة النبيلة التي يحملها الإعلام راهناً – رغم مشاكله – إلاّ أنه في حقيقة الأمر لا يخلو من بعض الأخطاء التي تخدش وجه الديمقراطية وتؤثر سلباً على صورة التلاحم الوطني والجهود المبذولة لتعزيز القواسم المشتركة وتمرير خطاب يعمق التباين والاختلاف ويسيئ إلى انسجام ووحدة الموقف تجاه الاستحقاقات الوطنية .. الأمر الذي يتطلب باستمرار تقويم التجربة ومدها بالمتاح لتطويرها مهنياً ومادياً وفي الوجهة الذي يجعل منها انعكاساً لمجرى التحول العميق الذي يعيشه اليمن، خاصة وهو يتلمس الطريق إلى المستقبل بكل ثقة واقتدار. رابط المقال على الفيس بوك