ليس من السهل التكهن بنجاح العملية السياسية وخروج الحوار الوطني بنتائج اكثر إيجابية, في ظل هذا الكم الهائل من التحديات والمعوقات والمنغصات التي تكدر صفونا وتؤرق حياتنا بصورة مستمرة, غير انه أيضاً ليس ثمة طريق أخرى يمكن لنا في هذا البلد أن نذهب إليه, سوى طريق الحوار والإصرار على السير فيه بكل عزيمة وحذر واقتدار, إلى أن يتم تجاوز المرحلة الانتقالية وتتضح معالم ومؤشرات المرحلة المقبلة ومدى انسجامها مع ما ننشده من الآمال والأحلام والتطلعات. لقد أثبتت المرحلة التي نعيشها اليوم والمرحلة التي سبقتها, أن اكبر تحد يواجهنا ويعترض طريقنا للوصول إلى المستقبل, يتمثل في الوعي الاجتماعي وتطور العقل اليمني, ومدى قدرته على اتخاذ المواقف والقرارات المناسبة التي تخدم مصلحته ومستقبله, وتحدد مصيره وطريقه إلى تحقيق أهدافه وغاياته بعيدة المدى, دون أن يكون لرغباته الأنية المؤقتة أي تأثير على ذلك, وهو الأمر الذي لانزال في صراع مرير معه ولم نستطع التغلب عليه حتى الآن, رغم وجود الأحزاب والمؤسسات المدنية والتي كان من المفترض عليها أن تعمل طوال العقدين الماضيين على زيادة نسبة الوعي المدني وتوسيع رقعته بين أفراد المجتمع. لقد أخفقت الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية , في أداء رسالتها الأساسية وهي نشر الوعي وتثقيف المجتمع والوصول به إلى مستوى معين من الفهم والإدراك بأهمية المواطنة والانتماء الوطني والولاء للوطن, وبضرورة التعايش والعمل المشترك بين كافة مكونات المجتمع وفق أسس وقواعد تحكمها المصلحة العامة للبلاد والعباد, وطوال فترة العقدين الماضيين ظلت الأحزاب تعمل في مجالات بعيدة عن جانب التنوير والتثقيف في المفاهيم والقضايا الوطنية, وكان الهم الأكبر لها طوال تلك الفترة هو التوسع والانتشار على قاعدة الكم وليس الكيف. اليوم ونحن نواجه كل هذا الهم الثقيل من الصعوبات والمعوقات والمنغصات - أتساءل: ماذا لو كانت الأحزاب والمنظمات المدنية كرست جهدها وإمكانيتها في تعميق وتعزيز مفهوم الولاء الوطني والهوية الوطنية بين أبناء المجتمع اليمني – هل سنجد بين المواطنين من يستهدف أبراج وخطوط الكهرباء؟ أو من يقطع الطريق أو من يقتل بدوافع سياسية – هل سنجد من يطالب بفك الارتباط أو من يرفع شعار الوحدة أو الموت؟ إن استهداف الكهرباء وممارسة الإرهاب والفساد والجريمة والقتل والتخريب والتدمير وغيرها , كل ذلك ينم عن غياب كامل للوعي في القضايا ذات البعد الوطني , لأنه حتى لو وجد في المجتمع من يشذ عن القواعد الوطنية ويعرض مصلحة الوطن للمخاطر والأضرار, فلن يكون هناك من يتستر عليه أو يحميه أو يتعاطف معه , كما هو الحاصل معنا الآن حيث يلقى المخربون والمجرمون دعما وحماية كاملة من منطلق التعصب القبلي أو الطائفي أو المناطقي . وهنا وعلى هذا الأساس أقول إن الأحزاب والمنظمات المدنية عجزت عن إخراج الناس من طور التعصب القبلي والعرقي والمناطقي وتقديم الوطن ككيان كبير يفوق تلك الدعوات والمشاريع الصغيرة والمتناقضة ويستوعبها , كما أنها فشلت في توظيف مشاريعها ورؤاها وأفكارها المدنية والديمقراطية , وبما يكفل تعميق الهوية الوطنية وتعزيز مبدأ الانتماء الوطني بين أفراد ومكونات المجتمع وخصوصا المكونات المنغلقة على نفسها ذات الطابع القبلي والطائفي والمذهبي والعرقي والمناطقي. وخلال فترة الفعل الثوري توفرت فرصة ذهبية لمختلف القوى السياسية, لممارسة دور البطل وتصدر مشهد الثورة, في كافة الساحات والميادين من خلال العمل على تثقيف وتوعية المواطنين على أهمية الهوية الوطنية والولاء الوطني, ومفاهيم المواطنة والمشاركة والمساواة وقيم ومعاني الفعل الثوري, وبأهمية الدولة المدنية وضرورة الوصول إليها كمخرج أمثل لليمنيين من كل هذه الأزمات والمشاكل والقضايا, التي تحصد أرواحنا وتدمر خيراتنا ومقدراتنا وثرواتنا وتعيق تقدم بلدنا وتطوره ونماه. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك