ليس العنف حلاً في تركيا، ولا تصلب أردوغان في الرأي واستمرار نظرته الضيقة للأحداث. بل كان على أردوغان إقالة محافظ اسطنبول على الأقل، والتراجع عن قراراته التي سببت كل هذا الاندلاع بامتصاص الغضب بذكاء قبل تفاقمه. غير أن الرجل لم يتوقع أن تكون تلك الإجراءات «كأسباب سخيفة من وجهة نظر مؤيديه» مبرراً لما حدث من تداعيات ضده. مع أنها كبرت كإعصار وهي توضح تماماً حالة الحساسية الاجتماعية لقطاع واسع من الشعب مؤسس على العلمانية أبرزهم الشباب جراء ما اعتبروها قيم وصاية تنطوي على «أبوية حاكمة» إذا جاز الوصف، مرفوضة من قبلهم.. ولمن لا يفهم فإن الأمر شبيه للغاية بثورة الطلبة الشهيرة في فرنسا مايو 68 م؛ حيث بدأت التظاهرات ضد ديغول عفوية صغيرة واستسخفتها السلطة، ثم دخل العمال في المعمعة، وانفرطت اندلاعاً مع كبر حجم الإضراب حتى أيدها كبار المثقفين أيضاً. ولقد انتجت هزة كبرى في المجتمع الفرنسي وتحولاً عارماً في أجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع لصالح حرية الفرد وحقوقه. كانت عبارة عن صراع بين عقل جيلين وتفكيرين مختلفين. كانت ثورة ليست كالثورات التي نعرفها. كانت مغايرة وذات منطلقات بحساسية سلوكية عميقة تتفق على نبذ السائد الراكد المؤدي إلى الاستلاب، كما تتفق على ضرورة احترام الفرد. كانت ثورة الوعي الجديد ضد الأوامر والطاعة والأنماط التقليدية من المنزل حتى الجامعة مروراً بالمصانع.. إلخ. كما كانت تمثل حالة الجذوة الهادفة لجرف الاستغلال السلطوي والمجتمعي في آن. لكن ديغول الماكر احتواها بالتفاوض وبأشياء أخرى بعد أن كان لأيام يعاني الهوس بسببها؛ حيث كان باستطاعتها لعدة أسباب - وخصوصاً في حال زاد العنف - أن تنجح في الانقلاب الذي كان يخشى منه.! هذا يجعلني أقول: إن أردوغان لو عملها واستخدم الجيش كما هدد قبل أيام لمواجهة المتظاهرين ستكون نهايته الحتمية المؤسفة غير المشرّفة بالطبع. مؤسفة لأن أردوغان عمل الكثير لبلاده كي ترتقي إلى مصاف الدول الكبرى، ونجح في عدة اختبارات صعبة للغاية. وغير مشّرفة لأن أردوغان ظهر عنيفاً أمام من يعارضونه تماماً كالحكام العرب للأسف - وذلك ما لا يتطابق مع الاتحاد الأوروبي الذي تريد تركيا الانضمام إليه - خصوصاً في جزئية حشده لأنصاره. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك