عندما نستعرض تاريخ حركات التحرر والكفاح الوطني والمد الفكري والأهداف السياسية التي مرت بها شعوب المنطقة وما رافق هذا من انقلابات عسكرية وثورات هدمت مراحل وفرضت أخرى، والأوضاع التي وصلت إليها شعوب الجمهوريات في الراهن، نجد أنفسنا أمام أكثر من تساؤل، هل كنا ضحية لعبة هي أخطر وأكبر من مصائر الشعوب. هل كل تلك الضحيات أوصلتنا إلى جمهورية الملك، حكم الفرد المطلق، صاحب الديمقراطية الخالدة التي لا تخرجه من كرسي الحكم؟ هل أصبح تاريخنا السياسي فترات من القهر والصراع وتراكم المزيد من الدم؟ أين ذهبت أحلام التحرر والوطن يسع الجميع، عندما اكتشفنا أن السلطة لا تسع غير فرد واحد هو الملك الجمهوري، الذي أصبح يكرر ديمقراطية عبر فوزه المطلق في كل الانتخابات واستحواذه على كل الصناديق، تلك حقب لم تفرز غير أكبر سلطة دموية في تاريخ العرب الحديث. وبعد أن جاء الربيع العربي، والذي حملت سحبه من الغبار أكثر من الأمطار، مازالت شهوة الحكم الفردي المطلق تبرق في سماء الشرق، مازال طمع الذاتية في وضع كل شيء في خدمة عبادة الفرد تفرض سطوتها على كل محاولات رسم أبسط حدود الحرية في المواطنة وهي تحويل العمل السياسي من حكم مطلق إلى قيادة، وعند هذه النقطة انكسرت كل رغبات التغيير عندما أدرك الملك الجمهوري أن الشعب يتعلم قواعد السياسي من الوعي، لا يقبل به حاكماً لآخر العمر، ومن هنا يجد ما تعاني منه الساحة العربية في الراهن من أزمات هو بفعل الخراب الواسع الذي تركه لنا حكم جمهورية الملك، حكم مطلق لعقود لم يترك متر إلا وزرع فيه الفساد والدماء، ماذا يترك للشعوب وماذا يترك غير التساقط والإفلاس، وعندما تسعى الشعوب لطرح البديل تكتشف ان الأمور لا تحل بخروج حكم الفرد من القصر، بل بخروجه تبدأ مراحل جديدة من الصراعات والأزمات، لان سنوات الإفقار من حكمه قد أدخلت الوطن في محن تجعل الحروب الأهلية أقرب من الحل السياسي. وعلينا طرح عدة تساؤلات على أنفسنا كشعوب عانت من الصراعات بقدر ما قدمت من تضحيات، هل كان كل ذلك في الماضي مجرد وهم أو خدعة الغرض منها تأديب هذه الشعوب التي تمردت على أنظمة جاءت بها مقاييس سياسية حسب ما يتطلبه حال الأمة في ذلك الوقت؟ وأين قمع حكام الماضي من قهر الملك الجمهوري الذي أقسم على كتاب الله بأنه خادم الشعب والمؤمن بعدالة الحق والحرية والديمقراطية والأمين على مال الشعب، فهل كان هذا مجرد مسرحية؟ إن حكم جمهورية الملك قد جاء في معظم الأحوال عبر بيان القوات المسلحة، الانقلاب العسكري، والمعسكرات لا تعرف الديمقراطية إليها طريقاً، لذلك كانت بداية الصدام بين المدرعة والفكر، تغتال الحرية عند أول بيان عسكري وتصادر الحقوق عندما يظهر القائد الأعلى للقوات المسلحة باسم رئيس الجمهورية، وبعد ذلك تذهب بنا المراحل من الزمن السياسي ما بين الخطابات والاجتماعات واللقاءات وتوزيع المشاريع الاقتصادية والتي نكتشف بعد طول انتظار ماهي إلا وضع حجر أساس من دون إنجاز. أما أين ذهبت أموال الشعب وثروات البلاد، ذلك هو سؤال الكفر والحد منه، سحق جسد ذلك الفرد المجرم والذي تطاول ليقول أين أبسط حقوقي، الموت ربما كان أرحم العقوبات، هذا أن لم تنزل عليه وعلى أهله كوارث ليصبحوا بعدها أثر بعد عين كما يقول المثل ان الشعوب التي أسقطت جمهورية الملك، عليها أن تدرك أن التاريخ السياسي لا يرحم من تنازل عن حقه، وكم هي الشعوب التي أخرجت الملك الجمهوري ولكنها لم تطرح مشروعها السياسي الموضوعي، بل عادت إلى نفس المربع من الصراعات على الحكم والتناحر الذي جعلها عاجزة حتى عن إعادة جمهورية الملك، بل أصبحت لا من هذا ولا من ذاك، بل دخلت في مأزق الاحتراق الداخلي والموت المتسارع لأنها لم تكن في مستوى فعلها السياسي عندما أسقطت جمهورية الملك. وفي الراهن هل تخرج دول الربيع العربي من مأزق التغيير لتطرح مشروعها السياسي القائم على أسس المجتمع المدني؟ أما ما حدث مجرد حالة من الحالات العاصفة التي تفرزها فترات القهر السياسي فتكون عاصفة بدون رؤية وفوضى وليدة تدمر، وهل عملية التغيير السياسي عندنا مازالت قائمة على الشعارات والمنشورات؟؟ وكم تكون هي عميقة الأزمة عندما تصبح عامة الشعب منطلقة بفعلها من هذه الرؤية. ذلك الشبح الجاثم على نبضنا السياسي، جمهورية الملك، عبادة الفرد، الحكم المطلق، إن خرجنا عن هذه المسارات لا نجد غير ما شاهده في دول العربي العربي، لذلك علينا أن نعرف أن الحرية من أشكال التغيير، ولكنها عندما تتحول إلى فوضى فهي دون شك سوف تقود إلى الإخفاق، وهذا قد يعيد إلى العقل، الحلم بعودة جمهورية الملك، بهذا تنهار حتى أحلام التغيير ويصبح القيد رمز الاستقرار بدلاً من المفتاح. رابط المقال على الفيس بوك