الإنسان بطبيعته مفطور على طبائع وسلوكيات متعارضة؛ لأن الله خلقه على هيئة معقّدة، ومنحه من الصفات والسجايا ما يتناسب مع تلك الهيئة، فالإنسان ليس خيِّراً بالمطلق، ولا شريراً بالمطلق؛ بل يحتوي في داخله على نوازع الخير والشر، ويكون مخيّراً في أفق الاستدعاء لهذه الصفة الدميمة أو تلك الصفة الخيّرة ما يجعل ثنائية الجبر والخيار التي كثيراً ما عبّرت عن روح الجدل الإنساني حالة من التفارق والتقارب في آنٍ واحد؛ تفارق بالمعنى الإجرائي، وتقارب بالمعنى الدلالي، فالإنسان مخيّر ومسيّر في ذات الوقت؛ لأن الله منحه نعمة العقل فهو بهذا المعنى مُخيّر، كما أنه محكوم بالمشيئة والقدر الأزلي، وهو بهذا المعنى مُسيّر، نقول ذلك برغم السفسطة الطويلة للكلاميين العرب ممن أثبتوا قول الحق: «وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً». من الطبيعي والأمر كذلك أن يكون الإنسان نرجسياً بطبيعته، توّاقاً إلى التحلّي بأفضل ما لديه من مزايا، مُحباً لاستماع ما يرضي غروره ونرجسيته حتى وإن كان ما يستمع إليه مُجافياً للحقيقة التي يعرفها هو بالذات ؛ لهذا السبب تختلط لدينا الأوراق ولا نستطيع بسرعة أن نتميز الشجاع من الجبان أو الطيب من الخبيث، حيث يلجأ الكثيرون إلى تعليب أنفسهم ولبس ما ليس فيهم كأنما يردون الحجة على زهير بن أبي سلمى الذي قال : ومهما تكن عند امرىء من خليقة وإن خالها تُخفى عن الناس تعلم هذا القول ينطوي على جانب من الحقيقة لكنه لا يعبر عن كل الحقيقة فهنالك من الناس من يتمكن من التغطية على خصاله الحقيقية ويتدثر بثوب الثعلب الناسك الذي قال فيه امير الشعراء أحمد شوقي: برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا ومشى في الأرض يهدي ويسب الماكرينا!! وهكذا فعل القاص الروسي الكبير انطون تشيخوف وهو يكتب عن الإنسان المعلَّب .. كما ذهب الروائي الروسي غوغول ذات المذهب وهو يلتقط نماذج مجتمعية معلبة لم يكتفِ بتوصيفها، بل مازج بينها وبين الرمز الدلالي الفاقع لتلك الخصال كما رأينا في قصته الطويلة بعنوان «الأنف» حيث تحول المغرور إلى أنف حقيقي!!، وفاض بمكنوناته وسلوكياته السيكوباتية التي عمرت القصة بثنائية الأنا المريضة التي تتقمص حالة مغايرة لجوهرها الإنساني البسيط. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك