المظلومية كثيراً ما دندن حولها المتحلّقون حول الحوثي وحركته المسلحة, بل بشّروا بها، وأنها بداية النصر والتمكين لهذا الشعب الغارق كلية في مظلوميته منذ قرون, وفي ظلام وتجهيل، مما سُهل على البعض أن يستعبده، وأن يعرّجوا به بعيداً في منعطفات وعرة، فيها من الدم والرؤوس المتطايرة والمتفحمة.. سلّمنا بذلك واعترفنا بثقة الواثق، ونحن ننشد التغيير والعدالة والحرية والكرامة، وقبل كل ذلك المواطنة، كان ذلك في مطلع العام 2011م لنجد المسار بعدها منحرفاً، والوجهة غدت نتئة وصلدة لأصحاب المظلومية، الذين بدأوا في تفجير المعارك وافتعال الأزمات وتوسيع هوة الخلاف، فعرفنا بعدها أن قضيتهم ليست مع نظام، إنما مع شعب، مع فكر التحرر برمته، وهو الفكر الذي يجرّدهم من أفضليتهم ومن رؤيتهم للحكم والتعايش، وظنوا أنهم أولى الناس بالسلطة والعرش دون غيرهم، وأنهم من أصحاب الدماء المقدسة, التي لا يأتيها الباطل ولا ينازعها أحد السلطان والملكوت, أو هكذا زيّن لهم. فكان ظهورهم مسلحين ومجنحين خيلاء، وهم يحاولون الطيران في فضاءات التيه، ينجحون هنا ويسقطون هناك، وقد سقطوا أخلاقياً في قضية التهجير المعروفة بمأساة دماج، واختلطت عليهم الأمور وقد نظروا بمنظار واحد، إلى صعدة ومران والرضمة وعمران وحاشد وأرحب فذمار، وربما تعز والحديدة وغيرها من المناطق، فأكثروا فيها الفساد والتقتيل والإرهاب.. متناسين أن معاركهم تلك كارثة، وأنها تصنع هزائمهم التي لن تنتهي حتى يرضخوا للسلم.. وقد بدأت نذرها في عمران، أي الهزيمة، بعد أن عمل الجيش هناك على قص أجنحة الفينيق، وقتل الخرافة في مهدها، بعد أن رُوّج كثيراً بأن الحوثيين لا يهزمون، وأن الملائكة تقاتل معهم، بالإضافة إلى أنهم يتلقون الوحي والإلهام من الأجداد والآباء.. ضاربين بالعقل والتفكير والمنطق عرض الحائط، يريدون من كل ذلك إعادتنا إلى المربّع القديم، والكهف المظلم، المختنق طائفية وتمييزاً وعنصرية.. لكن باستطاعتنا اليوم أن نقول وببساطة كلنا سواسية، دمنا واحد، وكم هو سهل أن يراق على الأرض، وأن التجبر والاستبداد سيزول لامحالة.. لكن.. يظل التساؤل ما الذي يريده السيد, وجماعته..؟ التي حرنا في تسميتها ما بين الحوثية, تسميتهم القديمة حين كانوا يعدون أنفسهم مظلومين، وبين أنصار الله، التسمية “المودرن” التي يرطن بها دعاتهم في شاشات التلفاز وعلى ظهر الصحف، من دعاة المدنية الجدد، تقابلها لفظة “المجاهدين” وهي التسمية التي جعلوها مناسبة للوهاد والجبال وأوكار المقاتلين, والتي ينشرونها بين العوام والبسطاء من الناس، وهما التسميتان اللتان ظهرتا حين أحسوا في أنفسهم الغلبة والانتصار في جبهات القتال، فهم الجيش الذي لا يُهزم، في أسطورة عجائبية جديدة، وهم يعملون على تهجير الناس وتشريدهم، فأصبحوا وكأن على رؤوسهم الريش خيلاء وكبراً وغروراً، يوزعون مقاتليهم وزعرانهم، يقتحمون القرى والمدن الثانوية، فيمموا مؤخراً إلى عواصمالمحافظات، فارضين أنفسهم حاكمين وجابين للضرائب والزكاة.. وزاد غرورهم أكثر حين أرادوا الانقضاض على الجيش وقتل عناصره واحتلال مواقعه، بعد أن عملوا على تخوينه، وأنه لا يمثل الوطن.. الوطن الذي حصروه في جبة الفقيه، وزاوية المهرج، زاوية طمعهم وصلفهم، الذي لا بد أن ينكسر اليوم أو غداًَ. والغريب في الأمر أنهم يريدون أن يثبتوا للعالم بأنهم مازالوا مظلومين، لذا يريدون من الكل أن يقر لهم بذلك، ولا بد لهم أيضاً أن يكونوا منتصرين على طول الخط النضالي الجديد، خط الثورات والجهاد ضد الصهاينة والأمريكان، والذي ابتدأ من حيدان ومران مروراً بنقطة الأزرقين، وليس انتهاءً كما يبدو إلى كل بيت يمني، لا يسبح بحمد وشكر الإله الجديد، ولا يمجد الشهيد الغائب، التي لن تطول رقدته، فهو المظلوم أبداً والمنتصر أبداً، فعليهم اليوم وقد اختطوا الحرب طريقاً بأن يعترفوا بقانونها، فيوم لك ويوم عليك، يوم نساء ويوم نسر.. وعليهم أن يعلموا بأنه مع الانتصار تكون الهزيمة، والأيام دول وزمن التدثر بالمظلوميات انتهى.. وكما ترى نفسك مظلوماً، عليك ألا تسعى إلى ظلم الآخرين, وإلى تشريدهم، وكما كنت تبحث عن حقوقك كما ادعيت بالأمس، الذي ليس ببعيد، لا تحاول أن تحرم غيرك من حقوقه البسيطة في الحياة بأمان وسلام وطمأنينة، في أماكنه وقراه التي ظلمت كثيراً، القرى التي لم تصل إليها نور الكهرباء ووصلتها نار مدافعك، لم تعرف مباني التعليم ولا الصحة وأتتها متارس حقدك وبحثك عن مظلوميتك، فأخطأت حين يمّمت ديارهم، ديار المظلومين مرتين. [email protected]