حشود من الأعين المسلطة على شاشات التلفزة، كانت تتابع مباريات المونديال البرازيلي، ترى في أحداقهم الكرة وهي تدور بين مرمى ومرمى، ترى فيها تفاعلاً متصاعداً طيلة تسعين دقيقة، تمتزج في هذه الحشود ملامح الفرح والحزن، هذه الحشود تشكل لوحات يرسمها الإنسان بريشِ العفوية، لوحات تمتزج بها كل الألوان ليرى فيها المتأمل من ذوي الألباب الفنية معجزات لم ولن تأتيها أبرع ريشة بشرية. ومن وراء تلك ثمةَ توجهات سياسية متباينة فيما بينها تصل حد التناقض، يوجد من كل تيار سياسي أو حزب أو جماعة شخص على الأقل، سواء تماهى مع القاعد بجواره في تشجيع فريق واحد أو اختلف، هنالك ما سيجمع بينهما في الأخير، قاسم مشترك يلتف حوله كل من هؤلاء، ألا وهو “الروح الرياضية”. ليس بوسع أحدِ إلا أن يقبل بالآخر، أخرج منتصراً أو خرج خاسراً ما دام فيها منتصر وخاسر. للهِ در تلك الكرة التي لا تتوقف عن الدحرجة طوال ملعب المباراة طيلة فترة اللعب، وللهِ در تلك الأقدام وتلك الرياضة؛ إذ تفلح في تجميع ما فرقته وتمزقه السياسة، حيث أن السياسة أصبحت مقرونة بالتعصب والتطرف في المواقف بينما تترسخ الرياضة على قاعدة صلبة من مصهور للمعاني الإنسانية النبيلة. تتماهى الرياضة مع الطباع البشرية السوية التي تجنح بالفطرة نحو السلم والمحبة، معانِ إنسانية كهذه نفتقدها اليوم في وطننا الذي يعلو فيه صوت الرصاص على كل شيء. هنالك ثوابت رسخت في مسألتنا اليمنية بعدما كانت مجرد أحداث عرضية أو كنا نعتقد أنها كذلك، تعمق كتائب الحسين وتغولها من الشمالِ صوب العاصمة، راميةَ بكل ميثاقِ وعهدِ ناهيك عن “روح رياضية” أنشدها من الأطرافِ بهذا المقال، وتسعير للظى الاقتتال تمارسه وسائل إعلامِ تنفخ باسم الدين في سعير الحرب، وممارسات تساعد المتمرد الحوثي في كسب المزيد من المساحة بقوة السلاح. “نبلط” بحراً بدعواتنا إلى الصلح..!!. هل هذا صحيح..؟َ! مهما يكن، يجب أن نعول على صوت دفين يخرج من أعماق المتصارعين، من كوامنهم البشرية، صوت يدعو إلى السلام، ينظر إلى ضحايا الحرب قبل أن يفكر في خوضها، يجب ألا نفقد الأمل. نعيش في مرحلة حرجة، بين فكي كماشة، ولعلنا قد بلغنا الوقت الإضافي دون أن ندري، وما ادراك لعل انتهاء الصراع عن بكرتهِ بات قريباً، فلننتظر صافرةَ النهاية، التي ليس بمقدور أحد أن يعلنها غير الدولة، فلتعلن الدولة إيقاف كل هذا ولتستعمل صلاحياتها. *** نقاط: كنت أريد أن أدعوا أمراء الحروب إلى متابعة مبارياتِ كأس العالم، لاستلهام القيمة العظيمة ل«الروح الرياضية»، لكن الوقت الآن قد فات.. أو هكذا أعتقد..! ليعلم المشدودون إلى ماض مناطقي أو سلالي أو عنصري أننا سنقاتل من أجل الحفاظ على هويتنا اليمنية الجامعة ولا مجال البتة للتخلي عنها وإن بالموت. على الدولة تحمل مسؤوليتها، وعلينا أن ندرك أن سيناريو ما حدث في عمران سوف يتكرر إن ركنّا إلى التهاون مع ما توالى من أحداث في هذه المدينة التي أضحت المآسي كما لو أنها قدر لها. جماعة الحوثي الخارجة عن النظام والقانون تبرع في خلق تبريرات تمكنها من الوصول إلى أبعد نقطة من صعدة بدءاً بمبرر “التكفيريين” ووصولاً إلى “الموت لأمريكا”. *** يستحضرني نداء أطلقته الشاعرة القديرة نازك الملائكة - رحمها الله - قصيدةً بعنوان “لنكن أصدقاء”، قلتُ لأكرر هذا النداء مجدداً وإن كان في زمان ومكان يختلفان عنهما حين أطلقت هذا النداء عله يجدي، وإن كان أغلب الظن أنه في زمن مجنون وأياد موغلة في الدم غير ذي جدوى... «ألأكفّ التي عرفت كيف تجبي الدماء وتحزّ رقاب الخلّيين والأبرياء ستحسّ اختلاج الشعور كلّما لامست إصبعا أو يدا والعيون التي طالما حدّقت في غرور ترمق الموكب الأسودا.. هذه الأعين الفارغات ستحسّ الحياة ويعود الجمود البليد خلفها ألف عرق جديد والقلوب التي سمعت في انتعاش صرخات الجياع العطاش ستذوب لتسقي صدى الظامئين كأسة ولتكن ملئت بالأنين لنكن أصدقاء” [email protected]