مع تقدم المجتمعات والتطور المتسارع للعلوم والتكنولوجيا المتصل بالجريمة، وإفرازات العولمة وتأثيراتها السلبية، وتنامي واتساع المشكلات والظواهر المختلفة في الحياة الاجتماعية، وانتشار الجريمة بصورة كبيرة، وتعدد أساليبها، جعل من الصعب على الشرطة القيام بدورها في مكافحة الجريمة وتحقيق الأمن بمفردها، الأمر الذي يستدعي ضرورة مشاركة المواطنين في تنفيذ مهامها. من هذا المنطلق جاء مفهوم الشرطة المجتمعية. حيث يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعب دوراً محورياً في نشر وترسيخ هذا المفهوم، وعكسه عملياً، ولهذا الغرض سوف نعرض بعض المفاهيم والمضامين والمقترحات للشرطة المجتمعية. تختلف رؤية المجتمعات لمفهوم الشراكة المجتمعية تبعاً لاختلاف درجة الوعي من مجتمع لآخر، وكذلك تختلف درجة تفعيل وتعزيز هذا المفهوم باختلاف حجم ونوع المشكلات والتغيرات الاجتماعية. وعالمياً، تنحصر الاتجاهات الرئيسية لمفهوم الشراكة المجتمعية في ثلاث مدارس هي: الفرنسية: كان الفرنسيون سبّاقين في تفعيل هذا المفهوم، وإعادة صياغة العلاقة بين الشرطة والمواطن بطريقة إيجابية وفعالة، وتفعيل هذا المفهوم على أرض الواقع بالتقرب من المواطنين بشكل عميق، وتقديم خدماتها لهم كأي مرفق خدمي آخر. باعتبار المواطن (زبوناً) وليس (محكوماً). البريطانية: يقوم المفهوم فيها على أنه ينبغي للمواطن أن يتجه إلى الشرطة لمساعدتها على أداء مهامها، وبالمقابل على الشرطة معاملته بأسلوب لائق، في ظل احترام تام لكل حقوقه ومكتسباته كمواطن، وكصاحب حق في الخدمات الأمنية، وبتعامله المباشر والفعال يسهم بفعالية في تحقيق الأمن الاجتماعي. باعتبار المواطن (عينها وأذنها). الأمريكية: يقوم فيها على أساس رفع درجة التفاعل بين المواطن والأجهزة الأمنية، من أجل الرفع من مستوى فعاليتها وكفاءة أداْئها، ومساهمتها في الحد من استفحال المشاكل، بالتدخل المباشر لإيجاد الحلول قبل بروزها على السطح. ومن خلال التجارب والدروس المستفادة في مجالات الشرطة المجتمعية، يمكن لليمن وضع استراتيجية تنطلق من محاور وأهداف أساسية ومتكاملة، هي: أولاً- المحاور.. توعية المجتمع: تنفيذ برامج مكثفة ومستمرة للمجتمع عن مفهوم الشرطة المجتمعية والأدوار المطلوبة منه. توعية المتعاونين طوعاً: تنفيذ برامج تدريبية وتوجيهية مستمرة، وتزويدهم بالمعلومات، وبعض وسائل الاتصال الأمنية. توعية المنتسبين للشرطة وتدريبهم، ليتمكنوا من فهم وتطبيق آليات هذا التعاون بكفاءة عالية واحترافية، لأن التعاون مع المواطن المتطوع في تنفيذ مسؤوليات أمنية عملية تختلف في فلسفتها كثيراً عن التعاون الرسمي بين الشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى. ثانياً- الأهداف.. تضمين المناهج التربوية (الوقاية من الجريمة) كمادة أساسية. دعم وتشجيع إنشاء جمعيات لمكافحة المخدرات، تعنى بجمع المعلومات عن المخدرات، وتعمل مباشرة مع الشرطة في الإبلاغ عن أماكن الترويج، والضبط للمروجين، تشرف على مصحات لمعالجة المدمنين، تمول من الشركات وكبار رجال الأعمال. إنشاء مجلس أعلى لتوجيه الأحداث، وحمايتهم من الممارسات الضارة. تعزيز نظام شركات الأمن الخاصة، من حيث الدعم والإشراف، وتحديد ضوابط اختيار الأفراد، وشروط ووسائل التدريب. إنشاء مراكز اتصال، تتفرع عن هذه المنظمات والجمعيات، يتم انتخابها خلال الاجتماعات الدورية للجمعيات. منح ثقة وصلاحية لمنظمات المجتمع المدني الطوعية، تخولها عقد اجتماعات تبدأ من الأحياء، مروراً بالمديريات، ثم المحافظات، وانتهاءً بعقد لقاء سنوي عام لممثليها على مستوى اليمن، وتقوم بإعداد الدراسات الميدانية، وجمع المعلومات الأمنية، ورسم السياسات العامة للوقاية من الجريمة، وإصدار وتوزيع نشرات توعوية دورية، وتصميم روابط السلامة المرورية، لتوعية المواطنين بمخاطر الطرق، وكيفية تفاديها. نشر (نقاط شرطة)، تحتل مواضع بارزة في الشوارع الرئيسية، والمراكز التجارية والأسواق، والأماكن المزدحمة. وتطويرها وتأهيل أفرادها، ولكي يتمكن كل منهم خدمة الجمهور على الوجه الأكمل والأمثل، يتم إلزامهم بالآتي: إداء التحية العسكرية مصحوبة بابتسامة للجمهور قبل البدء بالتعامل معهم، حتى لو كانوا من مخالفي القانون ومرتكبي الجرائم. منع توجيه التهم للمشتبه بهم قبل توفر الأدلة الكافية. استحداث برنامج للزيارات الودية، تتيح للشرطي القيام بزيارات منتظمة إلى منازل المواطنين، ومواقع عملهم، للتعارف، وتقديم الهدايا في المناسبات الخاصة، والتعرف على أحوال السكان في دائرة اختصاصه، لكي يرتبط معهم بعلاقة اجتماعية حميمة، فضلاً عما يقدمه لهم من خدمات أمنية واجتماعية غير محدودة، فهو المرشد، والموجه، والوسيط في فض وحل المنازعات العامة والخاصة، ومعالجة مشكلات الشباب والأسرة، بحيث يمثل رمزاً للسلطة، ووجهاً مشرقاً للشرطة. وختاماً، من المهم أن نشير إلى أن وزارة الداخلية تسعى في هذا الاتجاه لتحقيق الآتي: إدراج برنامج تدريبي على حقوق الطفل وحمايتها في كليات ومعاهد الشرطة بالتنسيق مع المكتب الدولي لحقوق الطفل. وضع دليل تدريبي على حقوق المرأة للدارسين في كليات ومعاهد الشرطة، بالتنسيق مع منظمة (GIZ) الألمانية. [email protected]